[x] اغلاق
قُضَّتْ مَضَاجعهم
6/9/2015 18:23

 

"قُضَّتْ مَضَاجعهم"
بقلم: نبيل الياس خورية- شفاعمرو
ليسمحَ لي المحامي الراحِل الياس كوسا, أَن أَستعير عنوانَ كُتَيِّبه الذي أَصدرتهُ دار الاتحاد التعاونيَّة للطباعةِ والنشر في حيفا عام ١٩٦١، وذلك كعنوانٍ لمقالتي هذه.
تحدَّث المحامي كوسا في كتيِّبه هذا، وأَسْهَبَ في شرح القَضَايا التي خاضتها جماهيرنا العربيَّة الفلسطينية الباقية في وطنها بعد النكبة، في المحاكم الاسرائيليَّة، وكان الحكم العسكري البغيض يربض على صدر المواطنين العرب في هذه البلاد. تحدَّث عن مصادرة الأَراضي، قانون الحاضر غائب، قضيَّة الهويَّات الحمراء، ونهب الأَرض من اصحابها الشرعيِّين، وخَلُصَ الى نتيجة، بأَنَّ هذه البقية الباقية من شعبنا بعد عقدٍ ونيِّف من النكبة، وقيام هذا الكيان الغاصب، هذه البقيَّة الباقية والتي لم يحلم مهندس الدولة العبرية داڤيد بن چوريون ببقائها في وطنها، بل أَرادها دولةً نظيفة من العرب، تقض مضاجع حكَّام اسرائيل، بصمودها وإجْتراحها أُسطورة الصمود والبقاء.
ما أَشبه الأَمس البعيد باليوم، فما زالت سياسة حكومات إسرائيل المتعاقبة، تجاه المواطنين العرب هي نفس السياسة المتعالية، واعتبارنا مواطنين من الدرجة الثانية.
كتب الكثيرون من الإخوة الغيورين عن القضيَّة المُسْتفحِلة الآنيَّة وهي قضيَّة الإجحاف الحاصل، بحقِّ المدارس الأَهليَّة الفاعلة في الوسط العربي في البلاد، والتي تضُمُّ بين حناياها طلاباً من  مختلف أَطياف مجتمعنا العربي، على مختلف انتماءاته الدينيَّة ومحاولة وزارة المعارف والحكومة الإسرائيليَّة القضاء عليها، لتنضوي تحت لِواء الوزارة، فتتحوَّل الى مدارس رسميَّة، تتحكَّم بها السلطات المعنيَّة كيفما شاءت. 
إن هذه المؤسسات التعليميَّة التابعة لمختلف الطوائف المسيحيَّة، موجودة قبل قيام الدولة، فبعضها بدأ مسيرته التعليميَّة في العام ١٨٤٢، أي قبل قيام إسرائيل بمئة عام، ونستطيع ان نُقرِّر بكل ثقة، بأن الآباء الفرانسيسكان قد أقاموا مدرسة أَهليَّة في بيت جالا، في القرن السادس عشر.
حَمَت هذه المدارس أَبناء شعبنا، من سياسة التتريك، التي فرضتها الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، على مناهج التعليم الرسميَّة، وكانت قلاعًا وطنية، نشرت اللُّغة العربيَّة وعُلومها، وبعتت الروح الوطنيَّة والإنتماء لدى طلَّابها.
إن محاولة طمس دورها، وتجفيف الميزانيَّات المستحقَّة لها من وزارة المعارف  بهدف القضاء عليها، بتحليلي الشخصي، له أَسباب سياسيَّة، وأَستطيع أَن اقول نفسيَّة لدى القائمين على الوزارة.
فالمتمعّن لإنجازات هذه المدارس وتحصيلها العلمي والتربوي، يصاب بالدهشة حينما يعلم، بأنَّ اعلى نسبة نجاح في إمتحانات البچروت عربًا ويهود، هي لدى هذه المدارس، على سبيل المثال لا الحصر، المعمدانية، الإكليريكيّة، المخلص في الناصرة والكليَّة العربيَّة الأُرثوذكسيَّة في حيفا.
تشير دائرة الاحصاء المركزيَّة، التابعة للحكومة، بأَن 80% من العرب العاملين في الهايتك في البلاد، هم خريجو هذه المدارس، وغالبيَّة حملة لقب پروفيسور من العرب، هم ايضًا من خرِّيجي هذه المدارس. 
وايضًا على سبيل المثال، فإنَّ أَعلى نسبة خرِّيجين في المواضيع الطبيَّة، في البلاد عامةً، هم من خرِّيجي هذه المدارس، واعلى نسبة للنساء الدارسات للَّقب الثاني في جامعات البلاد، هم من خرِّيجات هذه المدارس، والقائمة طويلة حدِّث ولا حرج.
اذًا والحالة هذه فانَّه وعلى ما يبدو، اصاب المسؤولين، حالة من الغيرة والإحباط تجاه مدارسنا الاهليَّة، وتميُّز هذه المدارس على صعيد الدولة على ما يبدو، يقضُّ مضاجعهم.
لا أَستطيع أَنْ افهم حقيقةً هذا الغباء لدى المسؤولين في وزارتيْ المعارف والماليَّة، فبدلاً من أَن يشكروا القائمين عليها، لانهم وفَّروا مئات ملايين الشواقل، على ميزانيَّة الدولة، وذلك ببنائهم هذه المدارس وصيانتها، الأَمر الذي كان مفروضًا على الوزارة ان تفعلهٌ. 
إنَّ قضيَّة المدارس الأهليَّة، وخطر إغلاقها، هي قضيَّة الجماهير العربيَّة كلها، ومعها القوى الشريفة من الوسط اليهودي، إنها قضيَّة سياسيَّة بامتياز، وقضية قوميَّة بامتياز، نحن لا نطلب منَّةً من أَحد، ولا نستجدي حسنة، من أَي كان، أَعطوا هذه المدارس حقوقها كاملةً كما تعطون المدارس الدينيّة اليهوديّة.
وستبقى هذه المدارس قلاعًا وطنيَّة، مشاعلَ من نور وشوكة في حلق الَّذين أَرادوا تدميرها.
شاء من شاء، وأَبى من أَبى.