[x] اغلاق
فيكتوريا الحمصي – الحاضرة الغائبة
1/7/2016 20:06

فيكتوريا الحمصي – " الحاضرة الغائبة "

من يافا الى شفاعمرو

تاريخ وقضية

تغريد ابو رحمة جهشان - محامية شفاعمرو / يافا

يوم 1967/3/2 كان يوما حافلا في تاريخ مدينة شفاعمرو اذ انضمت الى المدينة  المرحومة السيدة فيكتوريا الحمصي والدة المرحوم متري اسبير او كما عرفه اهل البلد " ابو خليل ". ابو خليل كان يعتبر "طبيب عظام" اهل البلد وكان يقصده الداني والقاصي " لتجبير " العظام او اي تعديل للعظام قد يحتاجه الانسان , وكان المرحوم يلبي نداء المساعدة بكل رحابة صدروبدون تخلف. لهذا السبب ولدماثة خلقه وحسن معاشرته ,قصده الكثير وعرفوه وعرفوا والدته المرحومة فيكتوريا الحمصي . انا اعترف اني كنت من المتعالجين على يد ابو خليل حيث قصدته حتى بعد ان كنت قد انتقلت للاقامة مع زوجي في يافا  , واستقبلني استقبالا حارا للمعرفة الوثيقة بوالدي المرحوم امين ابو رحمة وطبعا حصلت على افضل علاج من يديه وكان ذلك تطوعا كما كان للكثيرين .

ذاك اليوم الذي احضر به ابو خليل والدته الى شفاعمرو كان يوما مصيريا لابي خليل .اخيرا اخيرا تكلل جهوده الصعبة خلال سنين طويلة لاحضار والدته بالنجاح , وحضرت الوالدة فيكتوريا  لتقيم معه بعد ان هُجّرت من مكان اقامتها الدائم في مدينة يافا في العام 1948 كما هُجّرمعظم سكان مدينة يافا الذين اصبح عددهم في ذلك العام ثلاثة الاف نسمة من اصل سبعين الف . وكانت المرحومة فيكتوريا من بين السبع والستين الف يافاوي الذين رُحّلوا من المدينة تاركين وراءهم بيوتهم ومصالحهم لمصير مجهول وهكذا تركت السيدة فيكتوريا الحمصي وراءها  "الفندق العربي"  في شارع المحطة بمدينة  يافا  الذي احتفظت بمفاتيحه كل فترة النزوح واحضرتهم معها الى شفاعمرو .هذه المفاتيح  تحافظ عليهم عائلة الحفيد خليل حتى اليوم

المرحومة امتازت بشخصية خاصة ولا عجب بذلك فقد كانت امراة فريدة في ذلك الزمان اذ ادارت الفندق العربي الذي كانت صاحبته بداية مع شريك لها من يافا وبعدما انحلت الشراكة بينهما سنة 1939 اشترت حصة شريكها وقامت بادارته لوحدها. لقد كانت امراة متميزة بحديثها ولباسها ومظهرها وكان من السهل ملاحظة هذا الاختلاف. تعرفت على المرحومة معرفة سطحية اذ كنت صغيرة السن عندما حضرت الى شفاعمرو وبعدها انتقلت للسكنى في يافا . ولكن لا زلت اذكرها بجمالها وكلامها , اذ كانت جارة لنا تقيم في بيت ابنها ابو خليل الذي كان في مبنى تابع للكنيسة الانجيلية وبجانبها , وهي تتكلم معنا نحن الصغار اللذين كنا مبهورين بجمالها ومظهرها وحسن معاملتها .يبدو ان الحياة الصعبة التي كانت من نصيبها ومن نصيب الفلسطينيين الذين تركوا بيوتهم ووطنهم قصرا وقهرا وعانوا من صعاب الحياة في الدول العربية لم تغير ملامح شخصيتها او جمالها .

 

وتمضي الايام والسنين وابتدأتُ في سنة 1990 مزاولة مهنة المحاماة بمكتبي في يافا وقام ابو خليل بطلب مقابلتي , لبيت الطلب بكل سرور فابو خليل انسان عزيز علي وعلى والدي الذي كان قد توفي ,وشرح لي قضية الفندق العربي الذي كانت تملكه والدته المرحومة فيكتوريا وعن امكانية استعادته وخاصة ان والدته قد حصلت على هوية اسرائيلية .محاولات التقصي وراء اوراق ثبوتية في دائرة الطابو كانت صعبة جدا خاصة ان الدولة وبشكل متعمد قامت بتغيير ارقام البلوكات والقسائم عدة مرات الامر الذي صعب الوصول الى اي اثر , ولكن اليوم اصبح البحت متاح بسبب الحوسبة التي ادخلت ولكن ومع كل ذلك الامر ليس بتلك السهولة وخاصة ان المرحومة فيكتوريا الحمصي تعتبر "حاضرة " ولكن " غائبة" حسب القوانين الاسرائيلية التي شرعت خصيصا للاستيلاء على املاك الغائبين الفلسطينيين .

وبشكل مفاجئ ودون مقدمات تظهر لي فيكتوريا الحمصي من خلال مطالعاتي  وثائق ارشيفات الدولة ,  واتذكرها من معرفتي السطحية بها  في شفاعمرو, ولكن في هذه المرة لاكتشف الادوار والمهام  التي قامت بها خلال حياتها في مدينة يافا  لمحاربة الانتداب البريطاني على فلسطين . كانت امراة مناضلة جبارة وقفت الى جانب ابناء شعبها من اجل نيل حريته .     

البقية تتبع في الاسبوع القادم

ملاحظة  : شكري لاحفاد المرحومة فيكتوريا الحمصي : خليل وفيكتوريا اسبير وشكري الخاص للمحامية شيرين بركات ابنة الحفيدة نهاد اسبير بركات التي قامت بمهمة شاقة بترتيب وتنسيق وثائق المرحومة  وتزويدي بهم .