[x] اغلاق
اللي بستحوا ماتوا والعيب فينا
20/7/2016 8:29

" اللي بستحوا ماتوا " والعيب فينا

الاعلامي أحمد حازم

في منتصف سنوات الثمانينات، عرضت علي مجلة  (NBI) الألمانية الأسبوعية، التعاون معها في كتابة تقارير حول الموضوعين الفلسطيني والاسرائيلي. وقد وافقت على العرض دون تردد لسببين: اولهما أن المجلة البرلينية كانت واسعة الانتشار، إذ كانت توزع أسبوعيا مليون ومائتي ألف نسخة في المانيا، وثانيهما انها تهتم كثيرا بالملف الفلسطيني إيجابيا. ولأول مرة في الصحافة الألمانية وضعت المجلة المذكورة صورة طفلة فلسطينية ترتدي الكوفية لغلاف أحد أعدادها، وكانت هذه الصورة ضمن تقرير لي لأني تناولت في تقريري لذلك العدد، الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية.

في ذلك الوقت، كنت أتلقى الكثير من رسائل الاعجاب من طلبة فلسطينيين. وذات يوم اتصل بي احدهم وأخبرني، أنه يدرس في معهد مهني للكهرباء، وهو معجب جدا بالتقارير التي تنشرها لي المجلة، وأخبرني أيضا أنه يحب الشعر ويتمنى أن يصبح شاعراً، لكنه لا يعرف كيف، خصوصا أنه لم ينظم بيت شعر في حياته. وأفهمته أن لا علاقة لي نهائيا بالشعر، ونصحته بأن يبتعد عن هذا المجال والاهتمام بدراسته، وعرفت فيما بعد أنه فشل في دراسته وعمل في تجارة الخضار.

ودارت الأيام (بالاذن من السيدة ام كلثوم) ومرت السنين. وخلال مشاركتي كمحاضر في أمسية ثقافية في نادي عربي في برلين، خلال زيارتي الأخيرة لها، تقدم مني شخص وصافحني بحرارة، وعرفت أنه هو الطالب التقني الفاشل. لكن المفاجأة التي أذهلتني بل وصعقتني، أن هذا الفاشل قدم لي ثلاثة دواوين شعرية هو صاحبها، ويحمل أيضاً لقب (دكتور!؟).

ومن خلال اتصالاتي مع بعض الأصدقاء المهتمين في المجال الأدبي في برلين، عرفت أن الطالب الفاشل تعرف في أحد المقاهي الشعبية في القاهرة على شاب ينظم الشعر، لكن الوضع الاجتماعي المعيشي لهذا الشاب، لا يسمح له حتى بالتفكير في نشر ديوان. واستغل الطالب الفاشل وضع الشاب المصري، وعرض عليه شراء ما عنده من قصائد حالية ومستقبلية، على أن يبقى الأمر سراً بينهما، وكانت هذه فرصة جيدة للشاب لتحسين وضعه المعيشي، وأيضا فرصة لا تعوض للفاشل ليصبح  شاعراً، وهذا ما حصل بالفعل.

 ولم يكتف الطالب الفاشل بهذا التزوير المعيب، بل قام بشراء شهادة دكتوراة من جامعة في دولة عربية، وصار يقدم نفسه للآخرين ــــ وهذه المصيبة بعينها ــــ  كـ (الدكتور الشاعر). لكن السر لم يبق سراً على مر السنين، وانفضح أمر هذا الشاعر المزيف في صفوف بعض المثقفين في برلين، ألا أنه لا يزال مصراً على أنه شاعرا (!؟)، وعلى أنه أيضاً (دكتور!؟).

ما دفعني لكتابة ذلك، يعض ما جاء في مقال أدبي لاحدى الزميلات، ذكرت فيه " أن الحياء يخلع عن نفسه ورقة التوت هذه الأيام ويتجول سواح في شوارع بني يعرب". وتقول في مقالها أيضاً: " إن العيب صار فينا". وأنا أضيف على ذلك وباللهجة العامية: "اللي بستحوا ماتوا".

 فبالله عليكم، ألا يستحق هذا (الشاعر المزوّر) عقابا شديدا على فعلته؟ لكن للأسف، فإن هذا المحتال ليس حالة استثنائية في أوطان بني يعرب، لأن ظاهرة سرقة الشعر والتعدي على الأدب العربي بشكل عام  من متطفلين وحرامية، واغتصاب الصحافة، أصبحت من الظواهر السلبية المنتشرة في في بلاد "الضاد"