[x] اغلاق
المعتدين والدخلاء على مهنة الصحافة
30/7/2016 9:11

المعتدين والدخلاء على مهنة الصحافة

الاعلامي احمد حازم

انتشرت في الوسط العربي في السنوات الأخيرة طاهرة انتشار المواقع الالكترونية، التي تسمي نفسها مواقع صحفية إخبارية، وانتشارها أصبح لكثرته مثل انتشار الفطر "الفقع" في الشتاء، والفارق بين الاثنين، أن "الفقع" له فوائد كثيرة، لكن غالبية المواقع (متل قلتها) لا فائدة منها.

حاولت أن أقنع نفسي بما يدعيه البعض، بأن انتشار المواقع هو دليل على وجود أرضية ثقافية خصبة في المجتمع، لكني لم أستطع، وعدت إلى رشدي أسأل نفسي: كيف يمكن لشخص ما أن يؤسس موقعا الكترونيا إخبارياً، دون أن تكون له أي علاقة بالاعلام. والذي جرى ولا يزال يجري حتى الآن، هو تفشي هذه الظاهرة في الوسط العربي، دون حسيب أو رقيب. 

تصفحت غالبية المواقع الالكترونية في البلاد، واخترت نماذج معينة من كل المناطق، ويا للهول ما رأيت وما قرأت: صياغة (بتخزي) أخطاء قواعدية ولغوية، فكثيرا ما كان المفعول به منصوبا والمجرور مرفوعا، والحديث عما يأتي بعد (أن) غاب عن أذهان الذين يتعاملون مع الخبر، حتى أن  استخدام (كان وأخواتها) لم يمر على بعض المشرفين على المواقع أثناء دراستهم في المرحلة الابتدائية، أو أنهم لم يتمكنوا من انهاء هذه المرحلة.

في الدول العربية، التي غالبا ما  يسخر بعض مواطنينا منها، ترفض المؤسسات الاعلامية فيها توظيف أي شخص لممارسة مهنة الصحافة، إذا لم يكن على علاقة بهذه المهنة من خلال دراسة مباشرة، أو دراسة موضوع قريب منها، وذلك احتراما للمهنة. وما يحدث عندنا في الوسط العربي هو العكس تماما. لدرجة أن موقعاً يعتبره الناس رائدا، وصلت الوقاحة بصاحبه إهانة مهنة الصحافة بشكل لا مثيل له، إذ نشر إعلانا عن طلب مراسلين، ووضع شرطاً أساسيا وهو: أن يكون عند المتقدم سيارة، بدلاً من أن يكون الشرط خبرة في الصحافة.  تماما مثل مؤسسة طبية، تعلن عن حاجتها لطبيب شرط أن يكون لديه "مريول أبيض". أليس هذا إهانة للصحافة؟

ألقيت قبل فترة محاضرة عن الاعلام في الوسط العربي، وتطرقت إلى الكثير من الأمور فيما يتعلق بمهنة الصحافة واحترامها. وفي نهاية المحاضرة تقدم مني شاب وشكرني على دفاعي عن مهنة الصحافة، وأخبرني بأنه يعمل سائق شاحنة في منطقته. وأخبرني أيضا بأن موقعا معروفا عرض عليه بطاقة صحفية وكاميرا للتعاون مع الموقع  لتصوير ما يراه مناسبا خلال عمله كسائق في منطقته. تصوروا إلى أي حد تهان مهنة الصحافة.

لقد أصبح التعامل مع المواقع الاخبارية الالكترونية، بالنسبة للكثير من أصحاب هذه المواقع، مجرد سلعة تجارية هدفها الربح، والعديد من اصحاب المواقع لا يعرفون أبدا أن الصحافة هي بالدرجة الأولى رسالة سامية، وهي مهنة مثل الطب والمحاماة والهندسة وغير ذلك من المهن، وهم لا يعرفون أيضا بأن الصحافة هي سلطة رابعة في الدول التي تحترم نفسها، وكل ما يعرفونه هو فقط كيفية جمع المال من خلال الموقع.

أنا شخصيا لست ضد انتشار المواقع الاخبارية في الوسط العربي، لكن بشرط أن " يعطى الخبز لخبازه" بمعنى أن صاحب الموقع إذا لم يكن إعلامياً، عليه أن يكون إداريا فقط، ويوكل إعلاميين بالاشراف على الموقع. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على أصحاب الصحف. لكن من الأفضل بكثير أن يكون صاحب الصحيفة له علاقة بالاعلام،

ظاهرة أخرى خطيرة لمستها في مجتمعنا، وهي ظاهرة حملة لقب " دكتور" في الاعلام،  بمعنى أن الامكانية متوفرة لحمل  لقب " دكتور" في الاعلام خلال وقت قصير مقابل صفقة معينة، وأن الدكتور "الطازة" بإمكانه أن " يُبروِز" شهادة الدكتوراة ويعلقها على أحد جدران صالون بيته، ثم "يطبع" بطاقات تحمل اسمه كـ دكتور، وكل شيء يتم "على عينك يا تاجر" وبطرق قانونية احتيالية. والأنكى من ذلك أن هؤلاء "الدكاترة؟!" لا يستحون ولا يخجلون من عرض أنفسهم كخبراء إعلام.

 والمفروض تحذير المجتمع منهم. والدفاع عن شرف مهنة الصحافة وليس اغتصابها من الدخلاء عليها.