[x] اغلاق
لـمن هـذه الابتِسامـة؟!!
12/9/2016 7:32

لـمن هـذه الابتِسامـة؟!!

بقلم: مارون سامي عزّام

كما يغازل الفجر عيون العشاق النائمة لتستيقظ مستقبلةً معه دفء نور الشمس، هكذا داعبت ابتسامة تلك الفتاة، الزاهية بجمالها عينيَّ... لاحظتُ أن أمواج الحيرة والاستغراب تلاطمت في بحر عينيها الهائج ذكاءً، لكني لم أعرفها. كنت أراها يوميٍّا، كوكبًا من الجمال المضيء بالأناقة، يُزوّد أنوثتها بموارد الحياء والحياة والحيويّة، لكن رغم كل هذا، كان مرورها جدِّيًّا، كمرور جنديٍّ في استعرضٍ عسكري، لا يلتفت لأي جهة.

كانت هذه الفتاة، بالنسبة لي مجرّد عابرة لسبيل نظراتي، إلى أن تعثّرت بي ابتسامتها في ذلك اليوم، خلال مسارها اليومي لمكان عملها، ربّما عن غير قصد!... ومنذ أن لمعت تلك اللحظة بوجهي، بدأت أطرب على أنغام غدٍ كنتُ أنتظره طويلاً، ربما تصحبه إيقاعات حبٍ هادئةٍ، آتيةٍ من صوبها، ربما تكون ابتسامتها هذه مولد ربيعٍ حجب عني غمام الشتاء.

القِفّازان الصوفيّان اللذان غطيا يداها، تحدّيا برودة الجو، تسارعت خطواتها المتوتّرةً من ملاحقة قنّاص البرد لها، فحاول اقتناص القِفّازين بأي طريقة، تمنّت أن تصل بأمان إلى منزلها الدّافئ، لتجلس أمام موقد الحطب، الذي سيلتَهم بردها حالاً، ليُحرَقَ مشهَد ابتسامتها الذي لم يعُد موجودًا على شاشة ذاكرتها الهامشيّة!!

ليتها أجابتني لمن هذه الابتسامة، ولكنها لم تُجِبني!! بل مضت بعيدًا، حتى غدت كنجمٍ بعيدٍ في أعالي السماء، لا تطوله يداي، فقلت في خفايا ذاتي: "إذا كانت ابتسامتها القمرية هذه لي أنا، فيا لسعادتي، لأنها حوَّلت ريح الشتاء الباردة إلى نفحاتٍ دافئةٍ.

ابتسمت أنا لها أيضًا، وهمست دواتي لريشتي: "أن انغمسي بي واكتبي واسكبي فوق أوراقه، دموع حب وشوق، وانسجي من الحروف، كلمات تتوق لرؤية ابتسامتها من جديد، وما هي إلا ثوانٍ أو بعضها، إلا ووجدت ريشتي تجتهد، محاولة بشتى طرق الإبداع الوصول إلى هذه الابتسامة، كي تجيد وصفها، وتزف إليها بشائر الود والمحبة، التي استحوذت على عقلي وفكري وملكت قلبي.

كما تصبح الحبيبة الشغل الشاغل للمحب، هكذا أصبحت كلماتي المستوحاة من واقعي الحالم، الشُّغل الشّاغل لأفكاري التي تراكضت جذلاً في خيالي، لتخدِم خاطرتي، لذلك نمقتها بلطفٍ، فوق بياض أوراقي، لئلا تعصف بها زوابع الزمن فتبعثرها هباءً...

يزعمون أن الهلال يبتسم للعشاق مرة كل شهر... أما ابتسامتها فقد خسفها الزمن، تمنيت لو أستطيع اختطاف نجم غدٍ واحدٍ، يجمعني بها... مَدَدتُ يدي الواهمة، فلسَعَتها النجوم بلظاها، وغمرت الدّموع عينيَّ، تتوق لرؤية طائر هذه الابتسامة مجدّدًا، كي أضعه في عش لهفتي، وسألتني عيناي عن كُنهِ هذه العَبَرات التي ذرفَتها رغمًا عنها، قلت لها: "ربما دموع الفرحة، ربما دموع ألمٍ من جراح أشواك الحسرة... ولن يتوقف نزيفها، إلا ساعة أدرك لمن أطلقت عنان تلك الابتسامة، هل كانت لي؟ أم كانت لسواي؟ ليتني أدري...