[x] اغلاق
ستّون عاماً على مجزرة كفر قاسم...على دولة الجناة الإعتذار والإعتراف والتعويض
2/11/2016 9:54
ستّون عاماً على مجزرة كفر قاسم...على دولة الجناة الإعتذار والإعتراف والتعويض
الإعلامي أحمد حازم
عمليات القتل الجماعي لا تختلف عن بعضها،  لأنها مذابح ترتكب بحق أبرياء، باستثناء المكان  والزمان وعدد الضحايا، بمعنى أن أي مجزرة ترتكب بحق مواطنين يجب أن يكون لها عواقب قانونية مثل  تقديم  مرتكبيها للقضاء وتعويض ذوي الضحايا.  "الهيلوكوست" أي المحرقة التي ارتكبتها النازية الفاشية في عهد هتلر ضد اليهود، هي  الأكبر من نوعها في العالم.  والمستشار الألماني كونراد أديناور اعترف بالمحرقة عام 1952 واعتذر لإسرائيل عما فعله أسلافه بحق اليهود، ودفعوا تعويضات  لذوي الضحايا.
لكن هناك مجازر من نوع آخر غير الحرق بأفران الغاز  كما حصل في "هوليكوست". فهناك مذابح قتل جماعي شهدها العالم نفذها عسكريون بحق أبرياء. فقد ارتكب ضباط وجنود إسرائيليون مجازر ضد الشعب الفلسطيني في سنوات الأربعينات والخمسينات تجاوزت الثمانين مذبحة، إضافة إلى المجازر العديدة الأخرى التي ارتكبتها إسرائيل في العقود الماضية من بداية الستينات ولغاية الوفت الحاضر.
كفر قاسم، قرية عربية في إسرائيل، يحمل مواطنوها الجنسية الإسرائيلية، ورغم ذلك عاشت مجزرة مروعة في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين أول عام 1956، أي قبل ستين عاماً، مجزرة  قامت بها مجموعة ضباط وجنود إسرائيليون. وجريمة القتل الجماعي هذه  بحق مسلمين أبرياء، بلغ عدد ضحاياها 49 شهيداً، منهم 23 طفلاً، عشرة نساء، والباقي من رجال وشباب وشيوخ القرية. هذه المجزرة لم تكن ضد أناس حملوا السلاح بوجه الجيش الإسرائيلي، إنما كان الهدف منها  ترهيب مواطني منطقة المثلت، والتي كانت كفر قاسم جزءاً منها، لتهجيرهم إلى الضفة الغربية التي كانت آنذاك جزءاً من الضفة الغربية، وتفريغ المنطقة من سكانها الفلسطينيين.

الحكومة الإسرائيلية في تلك الحقبة الزمنية برئاسة ديفد بن غوريون حاولت طمس ما حدث في  كفر قاسم من قتل جماعي، لكن خبر المجزرة تسرب إلى الصحافة وتم نشره والحديث عنه في وسائل الاعلام بعد أسبوع من وقوع المجزرة. وبالرغم من ذلك، لم تسمح  حكومة بن غوريون نشر تفاصيل المذبحة للرأي إلا في السابع عشر من شهر  ديسمبر/كانون الأول عام 1956. فأي دولة هذه التي ترتكب أعمال قتل جماعي بحق مواطنيها، وتقول للعالم انها دولة "ديمقراطية".

الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن سبب توقيت بدء مجزرة كفر قاسم في اليوم والتاريخ والسنة بالموازاة مع العدوان الثلاثي على مصر، والذي نفذته فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، بسبب إقدام الراحل عبد الناصر على تأميم قناة السويس، وهدف هذا العدوان كان إعادة السيطرة على القناة ومصر كلها وضرب حركة التحرر الوطني العربية. لكن السبب ومن وجهة نظر بعض المحللين السياسيين، أن المسؤولين عن المجزرة في تلك الفترة، اختاروا هذا التوقيت لأن العالم كان مشغولاً بحرب السويس.  

من حق الشعوب أن تتذكر ضحاياه، بالطرق والأساليب التي تراها مناسبة وملائمة. ومن حقها مطالبة دولة الجناة القتلة بالإعتذار والإعتراف بالمجزرة وبالتعويض أيضاً، وهذا ما فعلته إسرائيل باسم مواطنيها اليهود مع الدولة الألمانية. صحيح أن مجزرة كفر قاسم ليست بحجم "المحرقة" مع اختلاف السبب لدى الفاعلين، لكنها تبقى مسجلة في التاريخ البشري أنها مجزرة ضد مواطنين أبرياء. الأحزاب العربية في الكنيست الإسرائيلي بذلت جهوداً كثيرة لإرغام الحكومة الإسرائيلية للإعتراف بمسؤوليتها عن المجزرة، الأمر الذي دفع  بالرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز خلال زيارته لكفر قاسم عام 2007 إلى تقديم اعتذار عن المجزرة لأهالي كفر قاسم، مما يدل بوضوح على  اعتراف إسرائيل  بارتكابها لهذه المجزرة.

في العام 2014 شارك الرئيس الإسرائيلي ريفلين خليفة بيرز،  في مراسم إحياء ذكرى ضحايا مجزرة كفر قاسم، فكان بذلك أول رئيس إسرائيلي يشارك في مراسمها، ووصف المذبحة في كلمة له  بـ"الجريمة النكراء التي يجب معالجة تداعياتها". كما أن ريفلين ذهب إلى أبعد من ذلك  في الاعتراف عندما قال في كلمته ان "القتل الخسيس في كفر قاسم يعد فصلاً استثنائياً وأسود في تاريخ العلاقات بين العرب واليهود الذين يعيشون هنا وقد ارتكبت في كفر قاسم جريمة قاسية".

ان الإعتذار وحده لا يكفي والإعتراف وحده أيضا لا يكفي،  وذوي ضحايا "المحرقة" لم يكتفوا بالإعتذار والإعتراف فقط، بل طالبوا بتعويضات مالية وحصلوا عليها من الدولة الألمانية. وذوي ضحايا مجزرة كفر قاسم من حقهم الحصول على تعويضات مالية من إسرائيل، تماما كما حصل مع ذوي ضحاياهم. فالأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب الذين سقطوا وقتلوا بدم بارد في مجزرة كفر قاسم  بأمر مسبق من ضباط وجنود إسرائيليين، هم  من الجنس البشري مثل ضحايا المحرقة.

صحيح أن إسرائيل قد أقامت لضحايا الهولوكوست متحفاً أسمته "ياد فاشيم" تكريماً للضحايا من خلال دعم سخي من دولة الجناة، فإن كفر قاسم  قد أقدمت أيضاً على تكريم ضحاياها حسب قدرتها، لأنها لم تتلق أي دعم مادي من دولة الجناة. فقد أقامت كفر قاسم نصباً تذكارياً في مكان حدوث المجزرة  والمسمى "الفلماية"، كما أن اللجنة الشعبية في البلدة  أنجزت مشروعاً وثائفياً لإحياء الذكرى الستين للمجزرة حمل اسم  "بانوراما الشهداء"

ولا بد في النهاية من تذكير كافة المسؤولين الإسرائيليين سياسيين وعسكريين، بأن ضحايا "المحرقة" كان يجري في عروقهم  دم بشري، تماما ً مثل الدم الذي كان يجري في عروق ضحايا كفر قاسم، ولذلك من المفروض بهؤلاء المسؤولين التفكير ملياً بذلك، وكما قال الرئيس الإسرائيلي ريفلين:" يجب معالجة تداعيات المجزرة". وأعتقد بأن التعويض المالي لذوي ضحايا كفر قاسم هو جزء من هذه المعالجة،

رحم الله شهداء مجزرة كفر قاسم، وكافة الشهداء الفلسطينيين.