[x] اغلاق
30 رصاصة على فتاة تحمل سكينا
7/11/2016 10:19

 30 رصاصة على فتاة تحمل سكينا

جدعون ليفي و أليكس ليبك

ترجمة: أمين خير الدين

     ربما كانت حياة رحيق  بيراوي  في الولايات المتحدة  أصعب مما يُحتمل. ولذلك أشهرت سكّينا عند الحاجز. قبل عودتها إلى هناك بثلاثة أيام، رشقها جنود حرس الحدود بثلاثين رصاصة، كما ذكر تحقيق ج.د.ا. الذي ذكر أيضا أنهم لم يتصرفوا كما يجب.

     هل تمنّت لنفسها الموت؟ هل ملّتْ من حياتها الجديدة  في الولايات المتحدة؟ هل فضّلتِ الموت على أن تعود إلى زوجها في أمريكا؟ رحيق بيراوي، الفتاة الجميلة، ابنة ال 19 عاما، من بلدة عصيره الشماليّة، بالقرب من نابلس، ابنة الوالدين الفقيرين المُطلّقَين، هل أرادت أن تضع حدّا لحياتها، ولذلك استقلّت سيارة أجرة إلى حاجز تبواح (زعتره - المترجم) لتنتحر؟ ومع ذلك – هل من المهم إن أرادت أن تموت أو لا؟

    في أيّ مكان آخر، عندما يحاول إنسان أن ينتحر، تحاول قوات الأمن إنقاذه، في الأراضي المحتلة الوضع معكوس: ليس هناك  مَنْ يُشْبِه ج.د.ا. وحرس الحدود في مساعدة الفلسطينيين على الانتحار، في حالة رحيق خاصّة فرحوا: أطلق جنود حرس الحدود أكثر من 30 رصاصة. ومع ذلك لا تُعْتَبَر حالة خاصّة: لأن كثيرين من حَمَلَة السكاكين الذين  قتلتهم إسرائيل في الأشهر الأخيرة عند الحواجز أو في محطات الانتظار، في الأراضي المحتلّة، جاؤوا من خلفيّة مُشابهة، وبدوافع مشابهة.

الحزن يغيّر الملامح

   عصيره الشمالية بلدة  جبليّة، بيت الأمّ الثكلى بيت حجري من طابق واحد. جدرانه تنزّ، وغرفه فارغة من أيّ أثاث تقريبا، في هذا البيت تسكن زهره بيراوي، وفيه ربّت رحيق وإخوتها الخمسة. الأب سجيع عامل بناء في إسرائيل، انفصل عن زوجته زهرة قبل سنوات، وتزوّج  قبل شهر، ويسكن أيضا في عصيره.

 

رحيق بيراوي (من اليمين) وأمّها زهره . بيراوي لا تصدّق أن ابنتها أشهرت سكينا وحاولت طعن جنود حرس الحدود . "ربما  أطلقوا النار عليها لأنها كانت الأجمل في سيارة الأجرة" – أليكس ليبك

 أعلام فلسطينيّة مُلْصَقة بشرفة البيت بسلوتيب، وإعلان الحداد كلّها عُلّقت من قبل مجلس البلدة، ومن غير المُعْتاد أنه لم يتبنّ أي تنظيم المسؤوليّة عن عمليّة رحيق بيراوي المسكينة. وقد حلّقت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في الفضاء، وأقامت الدنيا عندما كنّا نجلس في شرفة البيت مع الأمّ الثكلى التي غمرت دموعُها خدّيها أكثر من مرة، التناقض صارخ بين الطائرات النفاثة المتطورة والواقع البائس هنا.

   زهره 47 سنة تلبس ملابس زرقاء، ووجهها مُتْعَب من الحزن، من الصعب أن تعرفها عندما تعرض صوَرَ زفاف ابنتها في أمريكا قبل  أشهر. "الحزن يُغَيِّر ملامح الوجه" قال محقق بتسيلم  عبد الكريم  سعدي الذي رافقنا. تمّ الزفاف في 13 آذار من هذه السنة، وقبل ذلك بثلاث سنوات جاء العريس إلى عصيره، بعد تداول بين العائلتين، ليطلب يد رحيق، وتمت الخطوبة. 

  في بداية 2016 سافرت زهره ورحيق لأمريكا، مكثتا شهرا في سكارمنتو مع عائلة العريس وبعدها وصلتا إلى حفل الزفاف في  سان فرنسيسكو ، هذا هو ألْبُوم الصور المكتوب عليه كلمة LOVE  : صوَر العروسين بالألوان بملابس العريس والعروس، والدة العروس السعيدة متبرّجة وأنيقة، رقص في قاعة الأفراح في فندق أمريكي، حفل زفاف من الأساطير، تقول زهره إنها استلطفت عريس ابنتها  الموعود في البداية. لكن بعد الزفاف عادت الأمّ إلى عصيره، وعاد العريسان بعد شهر عسل قصير إلى البيت في أمريكا.

 حسب أقوال الأم إن ابنتها كانت تعيسة هناك. أرادت أن تكون عصريّة، وطلبت أن تتعلّم السواقة، فلم تنجح. حماتها شكّت أنها تغازل أخا زوجها، فعاشت رحيق بانعزال وبمحنة.

  في 21  آب من هذه السنة، بعد خمسة أشهر من زواجها، جاءت رحيق لزيارة مسقط رأسها عصيره الشمالية، جاءت لحضور زفاف أخيها، تقول الأم إنه كان يبدو عليها إنها لا تريد العودة، لم ترغب زهره في التّدخّل، ولم تحاول التأثير على ابنتها. تجيب على السؤال هل حاولتِ الضغط على ابنتك للبقاء في عصيره؟ فتقول "ربيت أولادي على الحريّة، دون ن أفرض رأيي عليهم"

   أخيرا قررت رحيق العودة إلى زوجها في الولايات المتحدة.  يوم 23 تشرين الأول، قبل أقلّ من أسبوعين، كان من المقرر أن تطير إلى هناك مع أمّها التي خططت للبقاء معها شهرا.عائلة زوجها أرسلت لها تذاكر الطائرة. يوم الأربعاء 19 تشرين الأول، آخر يوم من حياتها، استيقظت في بيت أبيها، ذهبت منه إلى الصيدليّة واشترت مناديل رطبة، جاءت إلى بيت أمها وقالت لها إنها ستسافر إلى رام الله لتقوم ببعض المشتريات، ولتتزوّد ببعض المستندات من أجل السفر.سافرت رحيق بسيارة أجرة من عصيره إلى نابلس، ومن نابلس استقلّت أيضا سيارة أجرة أخرى إلى رام الله. 

  الدموع تنساب من عيني أمّها، وتتنهّد: "الله يجازي  أولاد الحرام". حوالي أل- 11 صباحا اتصل  بها جارها الذي يعمل في المخابرات الفلسطينيّة وسألها إن وصلت الشرطة ألفلسطينيّة إلى بيتها. استغربت. وعندما سألته زهره عمّا جرى ولِمَ يسأل، أنهى المكالمة. بعد دقائق اتصل طليقها سجيع من مكان عمله في الطّيبه، وقال لها إن زوجته قالت له إن سوءا قد حصل لرحيق، وقال إن زوجته حاولت الاتصال برحيق، فأجابها صوت غريب. وطلب منها أن تتصل مع قيادة التنسيق والارتباط الفلسطيني لتعرف مصير ابنتهما. لكن زهرة محدودة الإمكانيّات، لم تعرف بمَن تتصل، ربّت أبناءها لوحدها، وحتّى تاريخ سفرها إلى الولايات المتحدة كانت تعمل بائعة في دكّان للملابس في رام الله، مقابل 700 ش"ج شهريا.   

   تعود وتُتَمْتم مع نفسها، وتبكي بصمت. اتّصل أخوها وقال إن ثمّة إشاعة أن رحيق قُتِلَت عند حاجز زعتره، حاجز  تبواح، تقول إنها بدأت تصرخ وتبكي، وبدأ الناس يجتمعون حول البيت، فتأكّدت أن الإشاعة صحيحة، ومنذ تلك اللحظة لم تعرف الراحة.

 لم يُعيدوا الجُثّة

في اليوم التالي وصل جنود ج.د.ا. إلى بيت والد رحيق. ألغوا تصريحه بالعمل في إسرائيل، وحذّروا أفراد العائلة إن قاموا  بمظاهرة سيهدمون لهم البيت، اعتُقِل أخو رحيق الثاكل عقيد من قِبل قوّات الأمن الفلسطيني، بعد أن ذكر أحد الشباب اسمه على صفحات الفيس بوك وقال إن عقيد يخطّط للانتقام لأخته، ولا زال عقيد معتقلا.

  قُتِلَت رحيق  عند حاجز تبواح برصاص جنود حرس الحدود، بعد أن ادّعوا إنّها أشهرت سكينا، واقتربت من الجنود، ويُظْهِر شريط الفيديو وهي ملقاة على الشارع،  وأصوات إطلاق النار تهدهد في الفضاء،  يقولون  في حرس الحدود إن الحادث قيْد التحقيق الداخلي، ويقولون إنه "منذ لحظة تحييدها أوقف الجنود إطلاق النار"

    يُظْهر تحقيق قام به ج.د.ا. ونُشِر الأسبوع الماضي، أنه في الأسابيع الأخيرة لم يتصرف ج.د.ا. وجنود حرس الحدود، في أربع حالات، كما يجب. وقد قتِل في هذه الحالات وجُرِح فلسطينيّون، وأظهر التحقيق أنه في الحالات الأربع، كان بإمكان قوّات ج.د.ا. وحرس الحدود التصرف بشكل آخر في حالات إطلاق النار، وحتى الامتناع عن ذلك. وفي إحدى الحالات الأربع التي تناولها التحقيق وهي مقْتَل  رحيق بيراوي عند حاجز تبواح في 19 تشرين الأول. بموجب التحقيق أطلق جنود حرس الحدود أكثر من 30 رصاصة بعد أن أشهرت سكينا واقتربت منهم.

    لم تر زهره الشريط الذي يبيّن جنود حرس الحدود وهم يفرغون خزانات ذخيرة أسلحتهم بجسد ابنتها المُلقاة على الشارع. فقط رأت جثة ابنتها ووجها غير الواضح. تقول زهره إن السكين  تظهر بيد ابنتها اليُمْنى  بينما ابنتها  تستعمل يدها اليُسْرى فقط. زهره لا تُصدِّق أن ابنتها أشهرت سكينا، ولا تصدّق أنها حاولت الاعتداء على جنود حرس الحدود، ولا تصدّق أنها رغبت في الانتحار. "ربّما قتلوا ابنتها لأنّها كانت الأجمل في سيارة الأجرة"

 حجزت إسرائيل جثّة ابنتها، وتقول إن جُثّة ابنتها هي الجُثّة أل – 19 التي تحتجزها إسرائيل، زهره تريد أن تدفنها، وليس لديها أيّ اطّلاع بما يجب عليها أن تفعله حتى تستلم الجثّة، هل يمكن أن تكون ابنتها قد فضّلت الموت على أن تعود إلى أمريكا لم تُجِب الأمّ. "أحبّت الحياة، وكانت امرأة مؤمنة، داومت على الصلاة وهي في أمريكا، وليس ثمّة احتمال أن تفكِّر بالانتحار"

قبل مقتلها بأسبوعين احتفلت بعيد ميلادها أل - 19، زوجها لم يحضر إلى عصيره بعد مقتل زوجته، ولم يتصل أحد من عائلته تلفونيا بالأمّ الثكلى، تعود وتكلّم نفسها قائلة: "يا رب جازي أولاد الحرام، يا رب جازي أولاد الحرام".