[x] اغلاق
أنا وحبيبتي والشِّتاء
26/1/2017 10:30

أنا وحبيبتي والشِّتاء

بقلم: مَارون سَامي عَزّام

أيها الشِّتاء أتجنّب أيامك حاملة الزّمهرير، أرتعب من اكتظاظ غيومك المثقلة بالأمطار، المشحونة بشحنات البرق الكهربائيّة، وقصف الرّعد، تستعد لشنِّ هجومها على الأرض، وتصبّ عليها سيل غضبها المائي، كي تُفرِغَ قذائفها فوقها، هكذا تتخلّص من ثِقلها. لقد صِرت أسير المنزل، يُعذّبني البرد بضرباته العنيفة، يشلّ حراكي ضده، فأبعدني عن حبيبتي، حتّى تبلّلت مسافة اللقاء بيننا، نتيجة حدوث عِراك فجائي غير متوقّع للأحوال الجويّة مع تيّارات قطبيّة متطرّفة لا ترحم أحدًا، أقفلت جميع طُرقات الدّفء الاستوائي، أمام الشّمس، التي أوهمتنا بقناع إطلالتها.

حَمَلتُ مظلة الانتظار، ريثما تتوقّف الأمطار الجنونيّة التي تشتد غزارتها أكثر، أنتظر مجيء مرسال الصّحو في أي لحظة، ليُخبرني أن الطّريق المؤدّي إلى منزل حبيبتي قد جفّ، لكنّي أخاف أن أخطو مثل هذه الخطوة الآن، خوفًا من الوقوع في مطبّات الغضب من الطبيعة، خوفًا من الانزلاق على درب التّروي، لأجد صخرة احتمالي تتحطّم أمامي، نتيجة واحات الصبر الوهميّة التي تملأ دربي. لكنّني بالمقابل أحب كثيرًا ليالي الشّتاء الطّويلة، أتأمّل فيها موقد الرّومانسية الذي يلتهم مللي، إلى أن ينفر منه البرد، الذي يحوم حولي ليعتدي على أجواء الدّفء.

أمّا حبيبتي فإنها تجلس بالقُرب من نافذتها، تصغي لوقع الأمطار التي انهارت باكيةً، ودموعها تغطّي نافذتها، تتوسّل إليها بألاّ تغضب منها... بألاّ تمسح بُخار تذمّرها المتراكم على زجاج نافذتها، لكثرة تأففها المستمر من وحدتها، فالأمطار تدّعي أنها غير مسئولة عن حدوث هذه البلبلة الجويّة، وغير مسئولة عن انتكاس موعدها معي.

حبيبتي أنا مثلكِ، ما زلت جالسًا أمام موقد الرّومانسيّة، أتأمل جمار الذكريات، التي بدأت تلسعُ يدَيّ من فرقعة شَرر الفرح والسّعادة، التي تُبشّر بانبلاج نور الفرَج قريبًا. بعد برهة قصيرة هدأ القصف المطري، وسَكَبَ الليل دواته على السّماء فباتت حالكةً، لكن البرد القارص اللعين يا حبيبتي، ما زال يتجول كالحارس، فارضًا منع تجوّل قسري، بينما تراجَعَتْ نجوم الليل عن مسامرتكِ، وعشّشت في مسارب السّماء مجدًّدا، أمّا أنتِ، فما زلتِ تجلسين بجانب نافذة غرفتكِ، تتمنين ظهوري في أفق الغد الآتي.