[x] اغلاق
بين عمونا ....وأم الحيران -2
4/2/2017 7:18

بين عمونا ....وأم الحيران -2

أمين خير الدين   

 بدون رصاص حيّ أو مطّاطيّ، أو أيّ نوع من الرصاص أو المفرقعات، وبلا أيّ نوع من السلاح الأبيض أو الأسود، وبلا غاز مُسيّل للدموع، أو خراطيم مياه ساخنة أو باردة، تقدّمت، طوابير شرطة إسرائيل بآلافها الثلاثة، كأنها في مسيرة استعراضيّة، وبلا اتهامات جاهزة أيضا، وبلا أكاذيب! آسف. مع كثير من الأكاذيب والتمثيل، هكذا بدت عملية إخلاء بؤرة عمونا، والإخلاء ليس لأن المستوطنين سيطروا بالقوّة على أرض ليست لهم، وبدعم من السلطة والحكومة والعناصر المُتطرّفة، وليس لأنهم انقلبوا لشرفاء يريدون إعادة الأرض لأصحابها الشرعيين. لا. إنهم ليسوا كذلك ولن يكونوا.

     الإخلاء لا يزيد عن كونه تمثيليّة كاذبة، بدأت بسرقة الأرض، وتنتهي بفصل من الكذب. كذب على العالم كلّه لأن السارق لم يتراجع عن سرقته، ولم يتخلّ عن لصوصيّته، ولم ولن يتوقّف عن اعتداءاته، تمثيليّة كاذبة أمام مشاهدين من كل العالم، العالم الساذج هو الذي تنطلي عليه هذه الكذبة، وهي أيضا استغلال لفرصة ذهبيّة بالنسبة لسياسة الحكومة الإسرائيليّة، فرصة تسلّم ترامب تقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ودخوله البيت الأبيض، وترامب– من خلال – تاريخه ومُغامراته وتصريحاته وفَرَماناته التي تؤكّد معدنه العنصري الأعمى والبدائيّ. 

   ترامب، كما تحكي عنه مسيرته، لا يُفرّق بين خير وشر، بين حقّ وباطل، بين صاحب حقّ ومُعْتد، بين ظالم ومظلوم، تسوقه أهواؤه كيفما طاب له الهوى، قد يقف مرة، بالصدفة، مع المظلوم، ويقف ألف مرة، وعن قصد، مع المُعتدي، هذا هو طبعه، وهذا هو مِزاجٌه، وهذا هو ترامب الذي يفضحه تاريخه الأسود والمُنْحرف، ويوقّع على ذلك ملايين المتظاهرين في أنحاء العالم، ليس فقط ضد قراراته، إنما ضد دخوله البيت الأبيض، وأيضا بتوقيع أكثر من مليون بريطاني ضد دخوله لبريطانيا.  

    فُرْصة. قبل دخوله البيت الأبيض "تحفّر" كالثور الهائج، وهّدد بنقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس، وأعلن عن دعمه للاستيطان الوقح، وألغى تحويل الدعم المالي للسلطة الفلسطينية. فُرْصة لتظهر إسرائيل بمظهر دولة القانون، العادلة، لا تُفرق بين إخلاء يهود أو عرب أو إثيوبيين، تمثيليّة تنطلي على عقول السّذج، وتُغطّي على عنصريّتها، وعلى مواقفها، ويبتلعها ترامب السخيف  ليبرر مواقفه وسياسته  الغبية والعنصرية.

    شـتّان ما بين الموقفين. في أم الحيران جاءت الشرطة  مُدجّجة بالسلاح، بكل أنواعه، وبالرصاص بكل أنواعه، وبتعليمات تقولها نتائج اقتحامها لأم الحيران، تعليمات: أقْتُل عربيّا يخاف الباقون، أُقْتُل عربيّا تأخذ وساما، أو ترقية، ليس مُهمّا من يكون القتيل، استعملت الشرطة الأكاذيب والسلاح الحي والاتهامات الباطلة وأطلقت النار عشوائيا على المواطنين فأصابت عضو الكنيست أيمن عوده رئيس القائمة العربيّة المشتركة، واتّهمته مع أعضاء الكنيست العرب بالتحريض، وقتلت يعقوب أبو القيعان، واتهمته بجريمة دهس أثبتت التحقيقات أنه بريء منها، واتهمه أيضا وزير الشرطة بالانتماء لداعش وبالإرهابي، التهمة الجاهزة لكل عربي لا يصفق لِمَن يهدم بيته أو يقتل ابنه أو أي قريب له، أو يصادر أرضه، وطردت الشرطة عائلات بعد أن دمّرت بيوتهم التي بنتها في حينه بموافقة السلطة، ومن أرض لم يسرقوها كمستوطني عمونا، إنما أعطتها لهم الحكومة في حينه مع وَعْد بعدم إخلائهم منها. بينما في عمونا أخلتهم باستجداء واستعطاف، تحت حماية ثمانية ألوية من ج.د.ا. ، انتشرت على الروابي حول عمونا، وسمحت لمئات العنصريين من الوصول إلى عمونا لمساندة أربعين عائلة في مقاومة الإخلاء من أرض سرقوها جهارا نهارا، ووعدتهم، بعد استعطافهم، أن تسرق لهم أرضا غيرها ليبنوا عليها مستوطنة جديدة. هذه هي دولة القانون المطّاطي، كالرصاص المطّاطي، القانون الذي يكيل بمكيالين، قانون  لليهودي وقانون لغير اليهودي، هذه هي السياسة التي تتبناها حكومة اليمين والتي ستحظى بإعجاب ترامب  حين يلتقي بنتنياهو بعد أيّام.   

2017/2/1