[x] اغلاق
أطباء مستشفى بلينسون، كيف تنامون الليل؟
20/2/2017 8:35

أطباء مستشفى بلينسون، كيف تنامون الليل؟

جدعون ليفي ترجمة: أمين خير الدين

    مكثَ عندكم في المستشفى ثلاثة أشهر، كان ببعض هذا الوقت مُخدّرا يتنفس تنفّسا اصطناعيّا، في قسم العناية المُكثّفة، وحين استيقظ نُقِل إلى قسم الجراحة. عرفتم أن عمره 25 سنة وأنه مريض بالسرطان، ويُعالج علاجا كيماويا، وعرفتم أيضا أن الجنود رشقوه بالرصاص ببطنه، ومزّقوا أحشاءه الداخليّة، وأنكم قدّمتم له العلاج الصحيح.

      مكث عندكم في المستشفى ثلاثة أشهر، لم يُزْعج أحدا منكم وهو مُستلق في غرفته، معزول تماما عن عائلته، رأيتموه وهو يستيقظ تدريجيّا من إغمائه، بطنه ممزَّقة، ألم تُفكّروا بحاجته لرؤية عائلته للحظة؟ بحاجته ليد ناعمة تُلاطفه؟  بحاجته على الأقلّ لمُحادثة هاتفيّة، رأيتموه في احتضاره. ومع ذلك – لماذا لا؟

     ربما اعتقدّتم أنه ليس لديه والدان، أو أنهما لا يهتمّان به. هل اعتقدتم أنه من الممكن لمريض بالسرطان جريح أن يجتاز مرضه بدون أي شخص قريب بجانبه، باستثناء الجنود ورجال الشرطة المُسلّحين الذين كانوا يحرسون غرفته، ألم تروا أمّه العجوز حين كانت تأني أحيانا رغم عجزها إلى القسم بعد شَحْشَطَة الحواجز، تستعطف كي يُسْمَح لها برؤيته ولو للحظة فتجاب بقسوة وعبثا. كيف لم تفكّروا بعمل شيء بهذا الموضوع؟ هذا ما حدث داخل المستشفى الذي تعملون فيه. وأنتم المسئولون عن كلّ ما يجري فيه. ألم ترَوا؟ ألم تسمعوا؟ ألم تتضايقوا؟

    ألم يضايقكم لماذا أطلقوا النار عليه، شاب مريض بالسرطان في طريقه لآخر علاج كيماوي في المستشفى في نابلس؟ أتصدِّقون القصص الخياليّة التي يرويها الجنود بأنه حاول أن يهاجمهم "بِمِسَنٍّ للسكاكين"؟ هل تصدقون كلّ ما يرويه الجيش؟ أم أن هذا  ليس من اختصاصكم. أو أنه بكل بساطة لا يعنيكم، قمم صغيرة مثلكم.

   ألم تتذكّروا أن من واجبكم طمأنة العائلة عن حالته؟ وأن عليكم أن تخبروا العائلة عن احتمالات شفائه؟ هل حَسِبْتم لأنه فلسطيني، أو لأن الجنود ورجال الشرطة قالوا لكم إنه "مُخرّب"،أن لا حد سيهتمّ به؟  أو لأن العرب لا يحبون أولادهم مثلنا، عالجتموه حسبما تعلّمتم في الكتب، وما تبقى إلى حيث ألقت رحلها.

    أليست هكذا هي الأنظمة، وهكذا هي التعليمات، ومَنْ أنتم حتى تخالفوها. أين كان مدير القسم، ومدير المستشفى؟ هل هما موافقان على أن تحدث هكذا فظاعة  عندكم، أهو قَسَم إيبوقراط. أتذكرون.

     وعندما مات في الأسبوع الماضي، لا يُعْرف متى ولا كيف، ألم تتذكروا أنه كان يتحتّم عليكم إعلام العائلة؟ أن تُخْبروهم عن سبب الوفاة؟ أن تُخْبِروا أخته عميدة كلية العمل الاجتماعي في رام الله، عن ظروف موته، وعندما أخذ الجيش والشرطة جُثّته، هل اهتممتم أن تعرفوا أن دولتكم احتجزت الجثة لعشرة أيّام أخرى لأهداف بربرية، فقط من أجل التنكيل؟

    دُفِن أمس في طولكرم. محمد عامر جلاّد، طالب جامعي مريض بالسرطان، فاز بالقرعة بالبطاقة الخضراء وحلم بأمريكا، أطلق الجنود النار عليه فأصابوه ببطنه حينما قطع الشارع بعد أن  نزل من سيارة أجرة وهو في طريقه لآخر علاج كيماوي، لأبيه معلّم السياقة الأسطوري في طول كرم، ولأمّه التي لم يُغْمَض لها جفن في الأشهر الأخيرة من شدّة  خوفها على ابنها. يوجد عندهم الآن عندهما قبر  للانبطاح عليه. تطلّ عليهم في بيتهم صورة الجد: أوّل شرطي في طولكرم  يتجنّد  في شرطة إسرائيل.

  كيف ستتعاملون مع ضمائركم. يا أطباء بلينسون في بيتح تكفا، المستشفى الذي يحمل اسم اسحق رابين، الممرضات والممرضين والطاقم الاجتماعي؟ باستثناء طبيب واحد الدكتور جهاد بشاره، الطبيب الذي استجاب لطلبات الوالدين على الأقل. أنتم لم تكلَّفوا أنفسكم بمساعدة العائلة، ومساعدة مريضكم. لم تفكّروا بأية بيئة  تعيشون وأيّ أطباء تُفْرِز هذه البيئة. أطباء يفقدون نُبْل الإنسانيّة، لا يختلفون عن الجنود الذين قتلوا جلاّد وعن الجنرالات والساسة الذين شوّهوا جثّته.