[x] اغلاق
53 عامًا على مجزرة كفر قاسم
26/10/2009 13:47

كان ذلك يوم الاثنين 56/10/29، يوم العدوان الثلاثي، البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي، على مصر في أعقاب تأميم قناة السويس على يد جمال عبد الناصر. في ذلك الوقت كان دافيد بن غوريون رئيس الحكومة ووزير "الأمن"، وكان الجنرال موشيه ديان رئيس الأركان وكان الجنرال تسفي تصور قائد قيادة المركز والمسؤول عسكريًا عن المنطقة التي وقعت فيها جريمة كفر قاسم، منطقة القرى الحدودية مع الأردن المعروفة بالمثلث والممتدة من أم الفحم شمالا إلى كفر قاسم جنوبًا. ففي صباح ذلك اليوم قام الجنرال تصور بإبلاغ المقدم (ألوف مشنيه) يسسخار شدمي قائد لواء الجيش وغيره من قادة الألوية في قيادة المركز عن السياسة المقرَّرة تجاه الأهالي العرب في منطقة الحكم العسكري خلال "عملية قاديش" أي "العملية المقدسة"-  وهي الاسم الإسرائيلي للعدوان على مصر عبد الناصر؛ أي السياسة التي قرَّرها بن غوريون. وأكد تسفي تصور انه يجب ضمان الهدوء التام على الجبهة الأردنية لصالح " العملية في الجنوب" أي في سيناء.

وعلى أثر أوامر تسفي تصور قام شدمي بإعلان منع التجول في القرى العربية في المنطقة، وكان منع التجول عمليًا مفروضًا على قرى هذه المنطقة منذ ضمها لدولة  إسرائيل (بموجب اتفاقية رودوس في أيار 1949) من الساعة التاسعة مساءً على الطرق ومن العاشرة مساءً في داخل القرى، حتى الصباح. أي أن شدمي أمر بزيادة ساعات منع التجول بحيث تبدأ من الخامسة مساءً بدل التاسعة.

وفي حوالي الساعة الواحدة من ظهر اليوم نفسه (56/10/29) قام المقدم شدمي باستدعاء الرئيس الأول (راف سيرين) شموئيل مالينكي، الذي كانت سرايا حرس الحدود التابعة له قد ضمت إلى لواء الجيش بقيادة شدمي، وأبلغه انه قرر أن ينيط به وبفرقته (حرس الحدود) مهمة فرض منع التجول في القرى العربية: كفر قاسم، وكفر برا، وجلجولية، والطيرة، والطيبة وقلنسوة، وبير السكة. وأن منع التجول سيفرض ابتداءً من الساعة الخامسة مساءً ذلك اليوم حتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي. وقام شدمي بإبلاغ مالينكي أن منع التجول هذه المرة سيكون من نوع خاص ، شديدًا جدًا ويطبق ((بيد قوية)). وليس عن طريق الاعتقالات بل عن طريق إطلاق النار. وأضاف شدمي: قتيل واحد أو عدد من القتلى أفضل من التورط باعتقالات. وحين سأله مالينكي عن مصير العائدين إلى قراهم بعد ساعات منع التجول، أجابه ((الله يرحمه)). قال ذلك باللغة العربية وأضاف: (( بدون عواطف)).

وعقد مالينكي اجتماعًا مع ضباط فرقته (14 ضابطًا برُتب مختلفة) وأبلغهم بأمر منع التجول وانه يجب عدم أخذ معتقلين. فكل من يخالف يطلق عليه الرصاص ويقتل. وإذا  وقع قتلى فان هذا سيساعد على فرض منع التجول في الليالي القادمة . وأضاف أن: ((كل من يرى خارج البيت يطلق عليه الرصاص من أجل قتله)). ويسأل الضابط آريه منشس: ماذا يكون مصير النساء والأطفال؟ فيجيبه مالينكي: ((مصيرهم مثل مصير الآخرين: بدون مشاعر)). فيعود منشس سائلا عن مصير العمال العائدين إلى قراهم فيجيبه مالينكي ((الله يرحمه))! هكذا قال قائد اللواء أي شدمي. وقرر مالينكي وضباطه في الاجتماع المذكور تبليغ مخاتير القرى بأمر منع التجول فقط في الساعة 4:30 من مساء ذلك اليوم 56/10/29.

وجاء في بروتوكول الجلسة المذكورة: ((ابتداءً من هذا اليوم في الساعة 17:00 يفرض منع التجول على قرى الأقليات حتى الساعة السادسة صباحًا. جميع مخالفي منع التجول يطلق الرصاص عليهم من أجل قتلهم)). وأنيطت بالملازم دهان وبسريته (حرس الحدود) مهمة تنفيذ منع التجول في قرية كفر قاسم، عقد حالا اجتماعًا لرجال سريته وأبلغهم بالمهمة وأوضح لهم انه يجب إطلاق الرصاص من أجل القتل على كل إنسان يشاهد بعد الساعة الخامسة مساءً خارج البيت بدون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال والعائدين من خارج القرية وقال إن هذا ((عمل مشروع)). وفي الساعة 4:30 من مساء الاثنين 56/10/29 قام العريف يهودا زشنسكي بتبليغ مختار كفر قاسم السيد وديع صرصور ( وكان في ال74 من عمره آنذاك) بأمر منع التجول. فسأله المختار عن مصير أهالي كفر قاسم الذين يعملون خارج القرية، وقال أن عددهم حوالي 400 نسمة  وإنهم موجودون في أماكن متعددة  وبعيدة في بيتاح تكفا واللد ويافا وغيرها. فأجاب العريف انه ((سيهتم بهم)). وفي الساعة 4:50 من مساء ذلك اليوم أتم ّ الملازم دهان استعداداته، فقام بإبلاغ قيادة الكتيبة بكلمة السر التي تعلن انه أتمّ استعداداته لفرض منع التجول ولبدء المذبحة. وكانت كلمة السر هذه هي ((أخضر)). وما أن اقتربت الساعة الخامسة حتى كانت وحدات حرس حدود منتشرة على مداخل القرية وبشكل خاص على المدخل الرئيس وهو المدخل الغربي للقرية ( حيث أقيم فيما بعد النصب التذكاري لشهداء المجزرة). خلال ساعة واحدة أوقف ((رجال الأمن)) كل عائد للقرية، بعد يوم عمل مجهد. أوقفوا كل عائد يسير على قدميه، كل راكب دراجة، كل راكب عربة وكل سيارة. تأكدوا من هويتهم بأنهم من سكان كفر قاسم  وأمروهم جماعة بعد الأخرى بالاصطفاف على حافة الطريق وأطلقوا  النار عليهم تنفيذًا لأمر ضابطهم أن ((احصدوهم)). وبعد عملية ((حصاد)) كانت فرقة حرس الحدود تبتعد عن الطريق غربًا عن الجثث حتى لا تثار مخاوف القادمين الجدد قبل وصولهم إلى موقع الفرقة.

وصل عدد القتلى إلى 49 ضحية من النساء والرجال والأطفال، 43 منهم قتلوا على المدخل الرئيس للقرية – المدخل الغربي.

 

·        التعتيم والمعركة لكشف الستار عن المجزرة

منذ أن ارتكبت الجريمة البشعة في عصر يوم الاثنين 1956/10/29 تميز سلوك السلطة، حكومة بن غوريون وكافة أجهزته بإسدال ستار التعتيم على الجريمة البشعة. منعت السلطة الخروج والدخول من وإلى كفر قاسم. وأما الرقابة العسكرية فقد فرضت صمتًا مطبقًا ومنعت نشر أي إشارة إلى الجريمة. منعت السلطة الخروج والدخول من والى كفر قاسم. وأما الرقابة العسكرية فقد فرضت صمتًا مطبقًا ومنعت نشر أي إشارة إلى الجريمة قد تكون تسللت إلى الصحافة والإعلام، ومن عرف بالجريمة خلال الأيام الأولى فقد بلع الحدث وأطبق عليه، بين غير مصدق وبين ملتزم بالصمت.

وعلى أثر وصول النبأ إلى النائب توفيق طوبي قامت الكتلة الشيوعية في الكنيست بطلب إدراج الموضوع على جدول الأعمال استفسارًا ومحاسبة . إلا أن رئاسة الكنيست عطلت كل مبادرة في هذا المجال.أول إشارة إلى الجريمة البشعة كان صدور بيان ملفق مشوه من قبل مكتب رئيس الحكومة في 1956/11/11 جاء فيه: ((في 29 أكتوبر 1956، وعلى أثر تصاعد نشاط الفدائيين، أعلن نظام منع التجول في عدد من القرى القائمة على الحدود الشرقية، وذلك للمحافظة على حياة الناس. وهذه المحافظة أنيطت بوحدة من وحدات حرس الحدود. وأهالي القرى تقيدوا بنظام منع التجول ، الذي تقرر من الساعة 17:00 مساء حتى الساعة 6:00 صباحًا.  وفي بعض القرى عاد السكان إلى بيوتهم بعد البدء بساعات منع التجول. فأصيبوا على أيدي حراس الحدود)).

واستمر الإغلاق والتعتيم ومنعت الرقابة العسكرية نشر أية معلومات. وفي 1956/11/20 قام عضوا الكنيست ماير فلنر وتوفيق طوبي بالتسلل عبر الطوق الذي كان وما زال مفروضًا على البلدة المنكوبة لاستقصاء الحقائق مباشرة من شهود المجزرة والمصابين. وكانت الزيارة وكأنها زيارة إلى مقبرة لا حياة فيها. فأهل القرية حتى ذلك اليوم كانوا لا يزالوا متسترين في بيوتهم ، لا أحد  في الشوارع إلا المتنقل من بيت إلى آخر على عجالة . وأول من التقى بهما عضوا الكنيست. كان صبيّان تخوفا في البداية من الكلام حتى اطمئنا لمن يقابلهما، فساعداهما على الاتصال ببعض الأهالي داخل البيوت حيث انطلقت الألسن تتحدث عن الجريمة البشعة. وقام النائب طوبي بتدوين شهادة لإحياء الناجين والذين شهدوا مسرح الجريمة ونجوا، وسجلت الحقائق في مذكرة  مفصلة وزعت في 1956/11/23 بالمئات بالبريد وباليد، وبالعبرية والعربية والانجليزية.