[x] اغلاق
سلفيّ إسرائيل
28/3/2017 7:45

سلفيّ إسرائيل

جدعون ليفي هآرتس ترجمة: أمين خير الدين

   الصّدْمة، وفرقعة الكلام والتّحفُّظ من فيلم الشرطي المُعْتدي  تبدو كلها مُقْرِفة،  والفيلم أكثرها مُقْرِفا. هل جعلكم الشرطي تقرفون؟ هكذا هو الاحتلال تماما. عنيف، قبيح، وحشي وبلا رحمة تماما كالشرطي، هكذا تنكِّل إسرائيل بملايين البشر، على مدار الساعة، وعلى مدار الأيام، منذ 50 سنة.

     الشريط ليس الوحيد الذي يعكس الروتين في الأرض المحتلة – بكل دقيقة تمرّ ثمّة جنود ورجال شرطة إسرائيليين يعتدون على فلسطينيين، يركلونهم، يضربونهم، يصرخون عليهم ويشتمونهم، كما ظهر في شريط الفيديو وحتى أسوأ- شريط الفيديو يعكس واقعا أسوأ من واقع الاحتلال. هو صورة للواقع. سلفي إسرائيل.إذا كان فيلم "إكسودس"، يتوق ليعرض إسرائيل 1948، ففيلم الشرطي المعتدي يعرض إسرائيل 2017. إكسودس كان حلما، الشرطي المعتدى حطّم الحلم. ارجعوا للشريط وشاهدوه تروننا فيه.

       كل إسرائيلي شاهد في هذه البلاد الصغيرة عددا لا يحصى مثل هذه الصورة. في الشارع، في أسواق الخضار، في المستشفيات، في ملاعب كرة القدم أو في مواقف السيّارات، تكاد تكون هذه هي اللغة في كلّ دور، الصباح الخير الإسرائيليّة: بلطجة. ما الداعي ليهجم على الشرطي – هو جزء من المنظر العام لوطنه. تقريبا، نفّذ ما يقوم به الجميع. هو أيضا ابننا. هو بلطجيّ مع لباس عسكري- ماذا في ذلك؟ اتُّهم مرة بضرب مواطن، ولم تَرَ الشرطة ضرورة لتقديمه للمحاكمة. ولذلك تصرف كما يتوقّعون منه. يجب التمعّن في العنف: هذا عنف مع أقدميّة. عنف مترسّخ. المناطحة بالرأس سلاح بلطجي مع خبرة، بلطجي بلا خبرة لا يَنْطح.

     يجب أن نُصْغي لشفتيه: لهجة إسرائيلية. "أنا أدفع على هذا؟ يا ابن الشر... انصرف من هنا، أنا "سأفعل وأترك" بأمهاتكم". هكذا يتفوّهون في إسرائيل. ليس فقط في الشارع، ليس في الشارع فقط. كل شيء موجود هنا: القِيَم الكبرى للإسرائيليّ، يجب ألا تكون ساذجا ("أنا أدفع؟")، الانتقال الفوري من الكلام إلى الفعل، السيادة، البطش، الاستعلاء، الخشونة، اللغة القذرة، مجرد انه يفعل ذلك وهو بملابس عسكرية لا يَهِم. وأيضا رجال الشرطة يستخدمون هذه اللغة الإسرائيليّة. إسرائيل معتدية لآنها قادرة. تقصف سوريا وتُصفّي في غزّة لأنها قادرة. هي بلطجي المنطقة لأنه لا أحد يردعها. وهي أيضا عنيفة بداخلها.

      الشرطي موشي كوهين الذي يحمل لقب كلّ شيء إسرائيلي عنيف لأنه قادر. مجرّد وقوفه أمام الجميع ولم يرتدع: هو يدرك وهم يدركون أنه القوي وهم الضعفاء، هو القاهر وهم المقهورون، ولهذا يحقّ له. هو سيد البلاد وهم غبارها تحت قدميه. كلّهم  أدّوا أدوارهم: العجز والخوف لدى السائقين الفلسطينيين،  الخائفون من حماية زميلهم من جزمة الشرطي. من الاحتلال مقابل ضعف المُحْتل. المسدس في جرابه، انتبهوا  لوقوف جندي وحدة الدوريات الخاصة ولتصرّفاته: هكذا يتصرّف صاحب البيت. هكذا تتصرف دولته.

 هكذا يبدو قبيحا، قبيح جدا، ولذلك وُجِّهَتْ صرخة آنيّة. وُجِّهَتْ ضدّ المنظر الذي أظهره أكثر مما وُجِّهت ضدّ الشرطي – ستُنْسى سريعا، ومن المشكوك فيه أن يُحاكم – وجه ذاتي لإسرائيل 2017. لهذا نريد أن ننسى هذا الشرطي.  ليُفْصل، ليبقى في الاعتقال المنزلي لعدّة أيّام لينقلع من ناظرينا، فقط الاّ يُحاكم. تكفينا مُحاكمة أزاريا، في أعماقنا كنّا نعرف أنها محاكمة لنا جميعا.

     بعد ساعات من عرض شريط الفيديو، جرى استقبال في بيت النشيطة من أجل السلام  أليس كريغر  في تل أبيب.  كان ضيف الشرف الدكتور عزا لدين أبو عايش، طبيب من غزّة، أبو البنات، قال هذا الأب الثاكل بالعبرية "الكراهيّة دليل ضعف" ، قالها بلغة  فقط قلّة في إسرائيل يمكنها أن تفهمها، وقال "الحَسَنَة، والتسامح وعدم التعصّب دليل  قوّة". وفي عتمة المساء وظُلْمة شريط الفيديو، تدوّي أقواله النبيلة وكأنها مبتورة وسخيفة وهذيان.