[x] اغلاق
هذا العَلَم ليس لي
1/5/2017 7:09

هذا العَلَم ليس لي

جدعون ليفي  ترجمة: أمين خير الدين    

 لا، ألون عيدان، هذه المرة لا يمكنني العمل بنصيحتك، "أن أسُدَّ أنفي وأرفع العَلَمَ" (ملحق جريدة "هآرتس". 4/28 ).  ببساطة لا أستطيع. ليس لأن هذا العلم قد تلوّث في أل – 50 سنة الأخيرة حتى لم يَعُد يُعْرف، إنما بكل بساطة هذا العلم لم يعد لي. ليس لأن عندي علما آخر – ليس لدي – إنّما لا يمكنني أن أتعاطف مع هذا العلم الذي كان والدي يُخْرِجه من الخزانة كل سنة، يرفعه بانفعال على شُرْفة بيتنا وأنا أتأمّلُه من الشارع باعتزاز.

       استُبدِل الاعتزاز بذلك بِخجل، والتعاطف بالإحساس بالذنْب، دائما أعمل بنصائحك، لكن هذه المرّة سأرفض نصيحتك: "لآ يمكنني أن أرفع هذا العَلَم على  السيارة، أو على نافذة البيت، أوفي أي مكان". لا يُمْكن أن أرفع هذا العلم، لأنه يرمز لأشياء سيّئة لا يمكن قبولها أخلاقيّا. هذا العَلم المرفوع عند مُفْترق غوش عصيون. ما سبب وجوده هناك، وهناك ليس من حدود دولة إسرائيل؟ إنما  ليستفِزّ آلاف الفلسطينيين المارّين من  هناك، وليشبع غريزة الإحساس بالقوّة  وشهوة التّملُّك عند المستوطنين. ولماذا يرفرفُ فوق حواجز جيش الدفاع الإسرائيلي؟

    ليس هناك دولة  تتجرأ على رفع عَلَمها بلا استئذان في بلاد ليست لها، هذا العَلَم  يتدثّر به المستوطنون عندما يعتدون على جيرانهم. هذا العلم منقوش على الكتَل الإسمنتيّة عند مُفْتَرَق بيت عانون الذي يسمّيه الفلسطينيّون "ساحة الموت" بسبب كثرة قتلاهم، هذا العلم رأى كثيرا من الدماء المُراقة بلا سبب. أريقت هذه الدماء بسبب هذا العلَم.

   هذا العلم يُرَفْرِف على سيّارات الجيب التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي أو لحرس الحدود وهم في طريقهم ليلا للقيام ب"عمليّات اعتقالات" أخرى، عمليات ليست سوى اختطاف وعنف وتعسّف لآلاف المواطنين من أسِرّتهم، بدون أيّ أساس قانوني. هذا العلم الذي يرفرف فوق كل حاجز، أو مستوطنة عسكريّة، أو مكان اعتقال، أو مكان تحقيق في الأراضي المحتلّة. هذا العَلَم يرفرف فوق كلّ نبع استولى عليه المستوطنون.

     هو علم مفروض فرضا في كثير من الأماكن، عَلَم الاحتلال، هذا العلم يرفرف فوق حي التهجير والأشباح في الخليل، هذا عَلم المحاكم العسكريّة، لا تربطه أيّة علاقة بالعدل، مع هذا العَلم تتعاطف؟ وتريدني أن أرفعه؟ لماذا؟ إنّه لم يَعُد لنا، يا ألون.ولا نستطيع إعادته.

     باسم هذا العَلم يتم النّهْب. ترفعه إسرائيل والمستوطنون في الأراضي المُحْتلّة ويعتقدون أنهم برفعه يثبتون ملكيّتهم وسيادتهم. 50 سنة وهم يعتقدون أن الحقّ معهم وأنّ إسرائيل هناك لتبقى. هذا العَلم ليس عَلَم الفلسطينيين – الأغلبية الساحقة من سكان تلك ارض – وأغلبيّة العرب مواطني دولة إسرائيل. لذلك لا يمكن أن يكون هذا العلم لي.

   لا يمكن أن يكون هذا العلم لي لأنه علم دولة يهوديّة وديمقراطيّة، رُبّما تكون يهوديّة، إذا أقنعني أحد بذلك، لكن من المستحيل أن تكون ديمقراطيّة. منذ رُفِع هذا العلم في الأرض المحتلّة صار عَلَم الأبرتهايد. أأرفعُه؟ من المستحيل؟

      لا، ليس المقصود قطعة من القماش أُنْتِجت في الصين. إنما بسبب دلالته البعيدة، ليس باستطاعتي رفعه، لا زال يثير عندي الإحساس الذي كان يثيره عندي في صِباي عندما أراه يرفرف خارج البلاد. ربما هذا ردّ فعل متأخّر، ربما يكون حنينا، لكنه ليس لي. لقد أُلْغي الخطّ الأخضر، وتحولت البلاد إلى بلاد واحدة، بلاد اليهود والفلسطينيين،  لذلك هذا العلم الذي فكّر به بنيامين زئيب لدولة اليهود  لا يمكن أن يكون عَلَما لها. هذه الأرض صارت لشعبين ويجب أن يكون العَلَم للشعبين. عندما يحدث هذا، يا ألون، سأرفعه باعتزاز.  وعندها لن أحتاج لأن أسدّ انفي.

 وفي الخِتام: عندما كنتُ أكتب هذه الكلمات، أمس، قام جاري العزيز رافي من الطابق العلوي  بتغطية  حديقة بيتي بأعلام إسرائيل وأعلام وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي ، كعادته كلّ سنة.