[x] اغلاق
شكرا لكِ، أمريكا
23/5/2017 7:21

شكرا لكِ، أمريكا

جدعون ليفي ترجمة: أمين خير الدين

   شكرا لكِ، أمريكا، عن كل الجميل الذي أغْدّقْته على رؤوسنا. شكرا على المال على السلاح وعلى الدعم، وشكرا على الفساد، على العفن وعلى الإنكار. غدا سيصل إلى هنا رئيس أمريكي آخر، غريب الأطوار ومختلف عن سابقيه، فقط بشيء واحد لا يختلف عنهم : دونالد ترامب سيستمر في الإغداق علينا بكل ذاك الجميل، ستستمر أمريكا بكونها الشريك الأكبر في المشروع الأكثر حقارة في العالم في هذا العصر. ترامب سيموِّل، سيُسلِّح، وسيدافع. شكرا لكَ سلفا، أيّها الرئيس، على كلّ هذا الجميل.    

   بفضل أمريكا وصلنا إلى هنا. بفضلها يحتفل الاحتلال بيوبيله الأول وعلى ما يبدو لن يكون الأخير، إسرائيل  تتحمل الخطأ، وأمريكا هي التي  جهّزته لها. ليس فقط بالمال، إنما بالسلاح وبالدعم. هناك أيضا شيء آخر، لا يمكن غفرانه، يظلل فوق الجميع. في المقالة المتألّقة للمفكر الأمريكي نتان ثرول، وقد نُشِرَت الأسبوع الماضي  في موقع أل"غارديان" البريطاني (إسرائيل – فلسطين: السبب الحقيقي لعدم وجود السلام"  فصل  في كتابه الجديد، قال "اللغة الوحيدة التي يفهمونها: فرض حل علي إسرائيل وفلسطين") لقد وضع ثرول إصبعه على أمّ ألأسباب لعدم وجود سلام: البديل للسلام أربح لإسرائيل من السلام، ليس هناك سبب منطقي لإسرائيل كي تسعى لاتِّفاق، لأنّ ثمن السلام بالنسبة لها سيكون باهظا أكثر من ثمن الاحتلال. والمذنب بهذا أمريكا. هي وجريرتها، أوروبا، هم الذين يسمحون لإسرائيل باستمرار الاحتلال بسعر الكُلْفة فقط.

   أمريكا لم تُحرّك إصبعا لتجعل الوضع الراهن غير مقبول لإسرائيل، ولذلك ليس هناك ما يدفع إسرائيل للسعي إلى أتفاق. لذلك لن يكون ثمة اتفاق، حتى لن تكون "صفقة" الطريقة الوحيدة للوصول إلى اتفاق هي بواسطة رفع كُلفة الوضع الحالي وجعله لا يُطاق بالنسبة لإسرائيل، حتى مقولة أن الزمن ليس لصالحها لم تُعط نتيجة، هذا ما يقوله ثرول. عندما تُمارس التهديدات، دائما تتمكّن إسرائيل من إنهاء الاحتلال. وحتى يحين ذلك لا شيء يجعلها تُسْرِع بإنهائه.

    مورست طريقة الجَزَرَة  من قِبَل  أمريكا حتّى نهايتها ولم تُعْط  نتائج. مرة واحدة مارس رئيس أمريكي  ضغطا حقيقيّا فأعطى الضغط نتائجه في الحال: دوايت آيزنهاور هدّد عام 1956 بعقوبات اقتصاديّة – فكان الانسحاب من سيناء خلال أيّام. كانت آخر مرّة حاولت الولايات المتحدة ممارسة الضغط على إسرائيل سنة 1991:  حين دفع جيمس بيكر بإسحق شمير للذهاب إلى مؤتمر مدريد حين هدده بتجميد الضمانات البالغة 10 مليار دولار. منذ، أكثر من نصف قرن، أمر لا يُصدّق، والأمريكان حتى لم يحاولوا.

   العكس هو الصحيح. أمريكا تعمل كل ما باستطاعتها كي يكون الاحتلال مُريحا لإسرائيل. موّلت ودربت قوّات الأمن الفلسطيني، مقاولو الأمن الإسرائيلي، تدافع عن إسرائيل في مجلس الأمن، ومنعت نقاشا حول تجريد المنطقة من السلاح الذرّي وحافظت على تفوّق عسكري إسرائيلي مُطْلَق. وفي نفس الوقت دفعت ضريبة كلاميّة جوفاء ضد المستوطنات. "مظهر كاذب من المعارضة" ويسمي ثرول ذلك، مظهر مخادع تحول إلى  بطاريّة شحن تدافع عن المستوطنات. مع رؤية "عقوبة" كاذبة، حررت التحفّظاتُ المتكررة الطاقةَ الكامنةَ وحولتها إلى قوّة دفْع حقيقيّة، لم توقف المستوطنات عن اندفاعها.

   كما أن الفصل المُفْتَعل بين إسرائيل والمستوطنات، طريق قادتها الولايات المتّحدة، أعفت إسرائيل من مسؤوليّة الاحتلال. بحيث أصبح من الممكن أن تكون أمريكيّا( أو أوروبيا)  ليبراليّا  وحضاريّا، ون تعارض الاحتلال  وتؤيد إسرائيل. وإسرائيل والمستوطنات سعيداء بذلك. وواشنطن لم تشترط أبدا بدعمها، غموض لا شبيه له. "أن تصغي للأمريكان وهم يتكلّمون عن إنهاء الاحتلال، كأنك تصغي إلى سائق بلدوزر  يسأل كيف نهدم بيتا بالمطرقة"، هذا ما كتبه ثرول.

 أصدقاؤنا الأمريكان يعرضون علينا المال، والسلاح والنصيحة" فقال أبو الاحتلال موشي ديان مرّة: "سنأخذ المال والسلاح - ونرفض النصيحة". منذ ذلك الوقت لم يتغيّر شيء، وعلى ما يبدو لن يتغير شيء. شكرا لكِ أمريكا.