[x] اغلاق
بـلبلـة دراميَّـة رمضانـيَّـة
8/6/2017 7:18

بـلبلـة دراميَّـة رمضانـيَّـة

بقلم: مارون سامي عزّام

يقولون دائمًا مع بداية الشّهر الفضيل، جملة رائعة جدًّا وهي "رمضان كريم"، وأنا بدوري أهديها لجميع الصّائمين، ولكن هناك كَرمٌ أكبر بكثير، وهو الارتفاع السّنوي في عدد الإنتاجات العربية للدراما على أنواعها، منتظرةً حلول شهر رمضان لتبيع أعمالها للفضائيّات العربية الخاصّة غير الحكوميّة، هذا العام تتميّز الدراما السّوريّة، بكثافة إنتاج الأعمال البيئيّة بتعدد أجزائها، بالإضافة إلى الأعمال الاجتماعية التي تتناول موضوع الأزمة السورية، ولكن رغم تميزها، إلاّ أنها لم تصمد أمام التسونامي المالي السّعودي، الذي اقتلع وقت الاستراحة الترفيهيّة للمواطن، عيّشه في بلبلة، بتنقّله من قناةٍ لأخرى، بحثًا عن مسلسله المفضّل!!، إلى أن أصبح من حوله فوضى ترفيهيّة عارمة.

ما يشاهده المشاهِد العربي خلال 30 يومًا، مجرّد مقتطفات من مجموعة مسلسلات لأحَب نجومه، كلها تُعرض خلال شهر رمضان، وهذا يعني أن المواطن العربي بالنسبة للشّركات المعلنة، أداة شرائيّة لا أكثر، أمّا بالنسبة للقنوات الفضائيّة، فهو خاضع لأهواء ساعات عرضها للمسلسلات الدراميّة، في ظل ارتفاع حدّة المنافسة الخفيّة بين القنوات الخاصّة الشّهيرة، على شراء أعمال أهم النجوم العرب.

القنوات الخاصة أو المتخصّصة بالدراما، لا تهتم براحة المواطن العائد من عمله منهكًا، لا تراعي ساعات بث هذه المسلسلات، ما يهمها هو مراعاة الشركات التجاريّة المعلنة، التي تدفع سعرًا عاليًا على بث إعلاناتها، لتُعرَض في ساعات ذروة المشاهدة، فمن جهة تحظى بنسبة مشاهدة تسويقيّة عالية، من جهة أخرى تربح هذه القنوات مَبالغًا طائلة، لأن رفاهيّة المشاهِد العربي ليست ضِمن أجندتها البرامجيّة، ممّا يضطر أن يُضيّع وقته هباءً أمام شاشة التلفاز، وهو يتصفّح كومة القنوات في جهاز الاستقبال، ليشاهد برنامجًا آخرَ على قناة تجارية أخرى.

هذه الفوضى الدراميّة التي نشهدها في شهر رمضان تحديدًا، جعلت المواطن المسكين خلال فترة الإعلانات يقطف عن شجرة الدراما العربية المثمرة بالأعمال، حلقة من هذا المسلسل، أو مشهدًا من آخر، إذا حالفه الحظ يشاهد حلقةً كاملة، لأن معظم النجوم العرب، يصوّرون أعمالهم بسرعة، لتدخل في ماراتون رمضان، فيحتلّون أكبر مساحة من الخريطة الدرامية المخطّطة مُسبقًا، لذا نجد في الكثير منها أخطاءً إنتاجيّة وإخراجية، كما يحصل سنويًّا مع العديد من المسلسلات، منها "باب الحارة"، أو يُعرَض المسلسل قبل انتهاء تصويره...

... هذا الأمر حصل مع مسلسل الزّعيم عادل إمام، "عفاريت عدلي علاّم"، من إنتاج مجموعة "إم بي سي"، الذي باعته لعدّة قنوات، سياسة تسويق  جديدة لم تنتهجها في الماضي، قبل عقد من الزّمن، فتخلّت عن حصريّة عرضها للمسلسلات، لتسترجع التكلفة الباهظة لإنتاجاتها! لا ننسى في هذا السياق، أن مجموعة "إم بي سي" السعوديّة تحديدًا، ساهمت بخلق هذه البلبلة الدرامية لدى المواطن بشكل مباشر.

في هذا العام أنتجت "إم بي سي" أهم ثلاثة مسلسلات، "باب الحارة"، ومسلسل عادل إمام و"غرابيب السّود"، الذي يحكي عن خفايا وفظائع تنظيم داعش، فينحصر تركيز المُشاهِد عليها، فيخبو رونق الأعمال الأخرى، تختفي تمامًا عن رادار عيون المتابعين ونستشف أن هدف قناة "إم بي سي"، تجاريًّا لا غير!!، هكذا تحظى بنسبة مشاهدة عالية جدًّا... استمرار إنتاج هذه القناة السعوديّة للمسلسلات الناجحة، ليس لرفع من قيمة الدراما في العالم العربي، بل لخلق بلبلة كبيرة، وبحثًا عن جني الأرباح بأي ثمن، على حساب جودة القصة والسيناريو.

دار هناك حديث بين صنّاع الدراما عن عرض المسلسلات خارج الإطار الرّمضاني، لتخفيف الضَغط الترفيهي عن المواطن العربي، ولاقت هذه الفكرة استحسان البعض، فهناك أعمال عُرِضَت خارج رمضان على قنوات متخصّصة جديدة، مثل قناة "النهار دراما" المصريّة، لتكسب شهرةً جماهيريّة، فتأخذ مكانًا بين القنوات الرّائجة، وعرضت مسلسل "مملكة يوسف المغربي"، بطولة الممثّل القدير مصطفى فهمي والنّجم منذر رياحنة، وغيره من المسلسلات، التي لاقت شعبيّةً لا بأس بها، هكذا حظيت القناة بتغطية واسعة، وتفادت حينها البلبلة الموسميّة الطّارئة!!

يحتار عقل المشاهد ماذا يتابع، فيدخل في متاهة تلفزيونيّة موسميّة، فتتقطّع وتيرة متابعته اليومية، ويفقد متعة الاستمتاع بمشاهدة أداء نجومه... يجب ألاّ ننسى تكاثر القنوات الدراما المصريّة خاصةً، التي تحاول جاهدةً لفت الأنظار لمسلسلاتها، ساهمت كثيرًا في خلق هذه البلبلة، نتيجة زيادة انتاج المسلسلات المصريّة سنويًّا، من أجل أن تأخذ حقّها في الريادة الدراميّة كعادتها!!  

تفاوت ساعات عرض الأعمال، أو نجدها تُعرَض في وقتٍ واحد، خاصةً عندما تكون العائلة مجتمعة حول الوليمة الدرامية الدّسمة، فكل فردٍ فيها يرغب بمتابعة العمل الذي يحبّه، فينتج عن ذلك جدالات أخويّة بينهم إذا صحّ التعبير، فتتكسّر شاشة الالتزام لأي عمل، وتختفي كليًّا جدوى متابعتها، حتّى الأولاد الذين يعشقون ويتابعون البطولات الوهميّة لسلسلة "باب الحارة"، والذي يُعرَض في ساعةٍ متأخّرة نسبيًّا، لا يستطيع بعضهم الاستيقاظ في الغداة لمدارسهم، فيتغيّبون عنها، وقد أُثارت هذه القضية مؤخّرًا نقاشًا واسعًا.

لن يتوقّف محرّك الإنتاج عن العمل... لن تُراعي القنوات العربية حياة المواطن... لن تتغيّر ساعات بث المسلسلات، بل سيبقى هذا التزاحم يلازم الدراما العربية في رمضان، التي تُخلق هذه البلبلة اللامتناهية، سبّبت الفضائيّات العربيّة في عقلية المواطن خللاً زمنيًّا في مواعيد سهراته الليلية الجميلة، حوّلت تسليته المحبّبة إلى قلبه، إلى توتّر درامي، لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار التداعيات الاجتماعية لهذه البلبلة المتلفزة!!