[x] اغلاق
تحيّة إلى الرّاحلة الفاضلة ناهدة دانيال - بولس (أم يعقوب)
15/6/2017 8:24

تحيّة إلى الرّاحلة الفاضلة ناهدة دانيال - بولس (أم يعقوب)

تَـرَكتِ إرثًا إنسانيًّا نفيسًا

بقلم: مَارون سَامي عَزّام

الإنسان مثل الفارس يمتطي فرس عُمره المحمّل بالذكريات الجميلة واللحظات الثمينة، يركُض به في سهول الحياة لفترة زمنية طويلة، إلى أن تجتاحه عاصفة صحّية هوجاء، تغطّي رمال الذّكرى سّاعاته الأسريّة المضيئة بالحب، ويستوقفه القدر دون استئذان، ينزله عنوة عن صهوته، ويزج أيّامه في سجن اليأس، دون أن يعطيه فرصة الوصول إلى الاستراحة الأبديّة، فيستدرجه الموت نحو هوّة الآخرة رويدًا رويدًا، كما استدرج الرّاحلة أم يعقوب، التي عاركت أمواج المآسي بصبرها، صارعت مرضها بمعنوياتها... تحمّلت أثقال الهموم بصمتٍ لآخر لحظة.

عندما زارتنا قبل فترة قصيرة من رحيلها، لم أتوقّع أن أجدها بهذه الحيويّة المعهودة التي تحلّت بها منذ أن تعرّفنا إليها وإلى عائلتها... وبالأخص إلى زوجها الرّاحل رجل الأعمال إبراهيم بولس، منذ أكثر من ربع قرن، بانضمام المرحومة ابنتها أمل إلى أسرتنا، بزواجها من البروفِسور زاهر عزّام. سُرِرت جدًّا بزيارتها، فكانت متألقة بحضورها اللطيف، وبحديثها المليء بالمرح الإنساني والسعادة، كانت الابتسامة الدّائمة، هي البوّابة التي أطلّت علينا منها، فرحَّبنا بوجودها بيننا، ولم نشعر أبدًا أنها يائسة من معاكسة الحياة لها.

كانت بكامل أناقتها كامرأة عاشت حياةً مرفّهةً، معزّزة في كنف عائلتها، أولادها لم يتخلَّوا عنها، بل ساندوها وعاونوها، فكانت في صغرهم الحضن الدّافئ، وحتّى عندما أصبحوا بالغين، فإذا ابتعدوا عنها شعروا ببرد الفراق الذي لا يُطاق، أما في زياراتهم لها في المستشفى، شعروا عن بُعد بربيع حنانها الذي حل عليهم، فتفتّحت أساريرهم كالأزهار، وزهَّرت بالوفاء لهذه الأم، التي زوّدتهم بالطيبة.

مارست مهنة التعليم كمربّية أصيلة، ومنحت طلابها شهادات حُسن السّلوك والتربيّة، قبل شهادات التخرّج، تعلّموا منها الطّاعة المدرسيّة، والقيم التربويّة الصحيحة، ليُحسنوا مستقبلاً تقدير تضحياتها التعليمية. قدّمت لأولادها أوسمة التّواضع منذ صغرهم، وما زالت مُعلّقة على صدورهم إلى هذا اليوم، واستمدّوا منها التعامل مع الآخر بلياقة إنسانيّة، دعمت طموحاتهم العلميّة بكل قوّة.

غيابها عنهم سيترك ليس فقط فراغًا أموميًّا عند أولادها، بل سيترك أثرًا حياتيًّا يوميًّا لدى أنسبائها، الذين يتميّزون بالسيرة الحسنة، عاملوها بوقار كما تستحق، أحاطوا أواخر أيّامها كحِصنٍ منيع، اعتبروها أم الجميع، كما خدمت كل من لجأ إليها، لشدّة تعلّقهم بها، لأن الفقيدة كانت قدوةً لهم في احترامها للغير، الصّغير قبل الكبير، وهذا ما لمسناه وما لمسته أنا شخصيًّا من خلال لقاءاتي معها ومع أفراد أسرتها، الذين ينعمون بالأدب الاجتماعي... ويتنعّمون بإرث العادات والتقاليد الذي ورثوه عن والدَيهم، وما زالوا يحافظون عليه.

رغم الظّروف الصعبة التي مرّت بها خلال هذه السنوات العصيبة جدًّا من حياتها، إلا أنها حاولت بكل قواها تحدّي تقلّبات الدّهر... وتعلّمت من زوجها الرّاحل، عدم الرّضوخ لأي طارئ، وأن تقف في وجه أعاصير النّكسات، وبالفعل هكذا عاشت هذه المرأة الجبّارة، التي تمنّت من كل قلبها أن تُكمل مسيرة العطاء الإنساني، لكن الموت قيّدها بقيود الفرقة التي لا تُحطّم.

من خلال هذه التحيّة لروح الفاضلة أم يعقوب، أقدّم أحر التّعازي إلى عموم آل بولص ودانيال لمصابهم الجلل، وخاصةً إلى أبنائها البررة.