[x] اغلاق
حاتم حسون: يجب إعادة النظر في المنهاج التعليمي المعمول به في مدارسنا
21/6/2017 7:56

في مداخلته امام نساء فيتسو في دالية الكرمل حول الهوية في التربية والتعليم:

حاتم حسون:" يجب إعادة النظر في المنهاج التعليمي المعمول به في مدارسنا"

هنالك حكمة صينية تقول:" إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحا، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنسانا".

من هنا نرى أن عملية التربية والتعليم هي عملية مركبة وتحتاج الى سنوات عديدة حتى نحصل على ثمار الاستثمار في الانسان، فعائد التعليم هو على المدى البعيد وليس الآني، المشكلة، أنك لست الوحيد الذي يربي، فهناك شركاء لك في العملية التربوية يدخلون بيتك دون إذنك، يؤثرون بشكل كبير على ابنائك وبناتك، فالتلفزيون، الايفون، الحاسوب، الشارع، الأصدقاء وغيرهم تشاركك في التربية شئت ذلك ام ابيت، وامام هذا الكم الهائل من "المربين" تريد ان تربي ابنك او ابنتك وفق مبادئ وقيم تربيت وترعرعت عليها منذ نعومة اظفارك، فهل من الممكن تحقيق ذلك؟

أحد أهداف التربية هو بلورة هوية اجتماعية قومية ودينية، وعلى المربي ان يقود الطالب الى هذه الهوية، مستغلا كافة المضامين وأساليب التدريس المتوفرة لديه، عندها، أي بعد بلوغ الهدف يستطيع الطالب تبني هذه الهوية وتسير عليها الأجيال الناشئة. والسؤال الذي يطرح نفسه: أي هوية نريدها نحن لطلابنا وأي هوية يخطط لنا جهاز التربية والتعليم؟! 

معالجة هذا الموضوع يحتاج الى مراجعة حول جهاز التربية والتعليم المطبق في المدارس الدرزية خاصة، لنستكشف من خلاله عوامل الخلل التي لحقت بهذا الجهاز والمنهاج المطبق من خلاله. إضافة الى محاولة السلطة وتدخلها المباشر لسلخ الطائفة الدرزية عن محيطها العربي، لذا فقد دأبت على ابعادها عن تاريخها وتراثها ولغتها، باختلاق تراث خاص وهوية مشوهة، أدت الى الخلل الذي نشير اليه في هذا المجال ليخرج الطالب الدرزي بهوية مشوهة، لا هي إسرائيلية كاملة ولا هي عربية كاملة، بل ضياع نفسي ومعنوي يجعله غريبا عن ذاته وثقافته وقوميته بدون هدف اجتماعي او انتماء راسخ.

هذا التراث الجديد والمختلق الذي أوجدته المؤسسة الحاكمة ومن خلال وزارة المعارف، مثل تسمية: التراث الدرزي، العربية للدروز، العبرية للدروز وما شابه ذلك، أدى الى تشويه تاريخ وتراث الدروز الذي نشأوا عليه مئات السنين في بلاد الشام حيث سكنوا وعاشوا، في محيط عربي وكانوا وما زالوا يُعتبرون عرب أقحاح، هذا التشويه أيضا أدخل شبابنا وأجيالا متعاقبة في متاهات، حيث وجد الطالب نفسه منقطعا عن شعبه وقوميته ولغته، وباتت هويته مشوهة، مشتتة، وانتماؤه متضعضعا ومهزوزا. وهذا أدى بالتالي ليس الى سلخ شبابنا الدروز داخل إسرائيل عن قوميتهم، بل الى سلخهم عن أقربائهم واخوانهم الدروز الذين يعيشون في الدول العربية المجاورة وخلق فجوة كبيرة بينهم في المفاهيم والمعتقدات والانتماءات، فلم يعد يشعر الطالب في مدارسنا بانتماء واضح محدد، وبات عليه من الصعب أن يعيش ضمن محيط عربي نشأ عليه آباؤه وأجداده من ناحية، ولم يتمكن أو لم يشأ أصحاب السلطة من دمج الشاب الدرزي بالمجتمع الإسرائيلي بشكل طبيعي ومقبول، رغم الحديث عن حلف الدم ورغم الخدمة العسكرية التي يؤديها شبابنا أسوة باليهود دفاعا عن دولتهم كما يفترض.

من هنا علينا ألا نتوقف عند مسألة التحصيل العلمي ونتائج البجروت وغيرها أو الاهتمام فقط بتحصيل العلامات، رغم أهمية تلك النواحي وعدم التقليل منها، لكن الأساس يبقى في توفير دفيئة تربوية سليمة وصحيحة تشكل بوصلة للطالب أيا كان وخاصة الدرزي في محورنا اليوم. ومن هنا أريد أن أشير الى النموذج المسيحي في بلادنا، والذي يتقاطع في كثير من النواحي بوضعنا ووجودنا معهم في حالة مشتركة وخاصة، لكي نثري أفكارنا ونستفيد من تجارب الآخر بهدف شق طريقنا نحو ما نريده من خير ومستقبل واعد لأجيالنا، وعندما نتحدث عن المدارس الأهلية يجب أن نؤكد أن هذه المدارس لم تنسلخ عن مجتمعها ولم تتنكر لشعبها، رغم تسميتها بمدرسة أهلية أو تتبع لطائفة معينة، وحافظت على العامود الفقري للطالب في داخلها من حيث انتمائه الى شعبه وانخراطه في كنيسته وخدمته لمجتمعه، وأوجدت تلك المصالحة في هوية الطالب مع وجود مركباتها المختلفة والمتناقضة أحيانا، وهذا ما افتقرت اليه مدارسنا الدرزية للأسف وأدخلت طلابنا في ضياع ومتاهات أثرت بالتالي على تحصيلهم العلمي.

من هنا نرى أهمية التعامل مع موضوع الهوية بشكل جدي وعلمي ومدروس، وعدم الاستهانة به لأنه يقف في صلب العملية التربوية وتقويم مسيرتها نحو الارتقاء بمدارسنا وطلابنا، وهذا يستدعي إعادة النظر في المنهاج التعليمي المعمول به في مدارسنا.

ذكرنا في بداية حديثنا عن تثقيف الطالب وبناء هويته ليخرج صلبا ثابتا لا تزعزعه الرياح الشرقية أو الغربية. وبرأيي أن انتماءنا الى البلد الذي نعيش فيه أمر لا جدال فيه، فالدرزي في إسرائيل ينتمي الى دولة إسرائيل كما ينتمي الدرزي السوري الى سوريا واللبناني الى لبنان والاردني الى الأردن، لكن يبقى الفارق بيننا وبين اخوتنا في الدول المجاورة في الانتماء القومي، ففي حين لا نجد تأتأة وحيرة في الانتماء القومي لدى إخواننا في الدول المجاورة، نجد ذلك واضحا لدى أبناء طائفتنا في إسرائيل، الذين يعيشون صراعا بين انتمائهم العربي الذي جرى تشويهه بشتى الطرق والعمل على زرع الكراهية حتى بين الدرزي وعروبته، مما أوجد حالة من التنكر للانتماء القومي دون أن يتم الاستعاضة عنه بانتماء آخر، حيث فشل في إيجاد انتماء إسرائيلي، لأن الدرزي اعتبر إسرائيليا في التجنيد بينما بقي عربيا عند الحصول على رخصة بناء أو مصادرة أرض أو هدم بيت كما حدث في عدة مواقع في القرى الدرزية، هذا التشوه في الانتماء أوجد أيضا حالة من التباعد بين الدروز وأبناء قوميتهم من المسلمين والمسيحيين في إسرائيل، والى حالة من الجفاء في كثير من الوقائع حتى أنه انتشرت الآراء المسبقة لدى كل الأطراف، وتعرض الدروز الى تنكر من قبل اخوتهم وقابل الدروز ذلك بمزيد من التقوقع والانغلاق على أنفسهم في مراحل سابقة.

كوننا طائفة دينية ركزت المؤسسة على ابراز العنصر الديني وكأنه قومية (أنظر الى بند القومية في بطاقة الهوية)، واستخدمته كذريعة أخرى لإبعاد الدروز في هذا المجال وخلق خصوصية خاصة بهم، في حين أن هذا الأمر في الدول المجاورة لم يأخذ هذا البعد الخاص بالنسبة لأخوتنا الدروز وكانت هناك حالة من المصالحة في هذه التركيبة ايضاً.

وإذا انتقلنا الى المركب المدني في الهوية، فإننا نجد أنه في المدارس المسيحية أوجدت حالة من التوافق بين الانتماء للدولة، باعتبار المسيحي مواطنا في دولته وعليه احترام قوانينها ووجودها، وفي نفس الوقت المحافظة على الانتماء القومي للشعب العربي ولغته وتراثه، كما يتجلى من خلال الفعاليات اللامنهجية في تلك المدارس ومنهاج اللغة العربية قبل أن تتحول الى تابعة لوزارة المعارف الذي لم يؤثر كثيرا على نهجها. بالمقابل عاشت مدارسنا الدرزية انسلاخا واضحا عن لغتها وتراثها العربيين، وأصابها ما أصاب الغراب الذي نسي مشيته الأصلية ولم يتمكن من تعلم مشية الحجل، فلا بقي الطالب الدرزي عربيا ولم يتحول الى إسرائيلي، مما زاد في حيرته وبلبلته ولم تتمكن مدارسنا من حل هذه المعضلة، وكان لذلك تأثير ليس على الناحية التربوية فحسب بل التعليمية أيضا وعلى التحصيل العلمي وعلى حياته.

بناء على كل ما تقدم وإزاء الوضع الذي وصلنا اليه، لا بد لنا وأن نتحرك نحو تغيير الوضع المؤلم ووضع اقتراحات عملية، يتوجب العمل بموجبها دون تأخير.

1.     التوجه وزارة المعارف بإقامة لجنة مستقلة تعمل على دراسة المنهاج المتبع في المدارس الدرزية وإعادة النظر فيه وتقديم توصياتها، على أن تتشكل من خبراء مختصين في مجال التربية والتعليم يمثلون كافة التوجهات من أبناء الطائفة وخارجها.

2.     المبادرة الى عقد حلقات فكرية يشارك فيها مثقفون وممثلو مؤسسات وهيئات ثقافية وتربوية، للتباحث وتبادل وجهات النظر في مسألة الهوية ومركباتها لدى الدروز في البلاد، والخروج بتصور مشترك ورؤية متفق عليها حول مسألة الهوية يتم اعتمادها على رأس المنهاج التربوي الجديد.

3.     السعي لتحويل مدارسنا الدرزية الرسمية الى مدارس تعمل بالنسق المتبع في المدارس الأهلية، تشرف عليها لجان تربوية من مختصين وخبراء. (منهاج، دستور، فعاليات لا منهجية)

4.     لنا تاريخ وتراث حافلان فلا يعقل أن ندرس عن أسماء يهودية بارزة مثل عغنون وبيالك، بينما يتم تجاهل شخصيات كبيرة لدينا أمثال شكيب أرسلان وكمال جنبلاط وسميح القاسم وسلمان ناطور ونزيه خير ومحمد نفاع والقائمة تطول، وهذا يجب أن يتم من خلال منهاج تعليم معتمد.

5.    محاورة السلطات بصورة واقعية، عقلانية وعصرية لئلا يستمر المسؤولون باستغلالنا واستصغارنا والاستهانة بوعينا.