[x] اغلاق
إذا انعدمت الأخلاق افتقدنا كل شيء... متى نفهم ذلك؟
19/7/2017 7:31

إذا انعدمت الأخلاق افتقدنا كل شيء... متى نفهم ذلك؟

الإعلامي احمد حـازم

كانت لي علاقات جيدة ــــــ بحكم مهنتي الصحفية ــــــ مع العديد من السفراء العرب والأجانب في ألمانيا وأيضاً مع مسؤولين ألمان، ولا سيما أولئك الذين لديهم اهتمامات بقضايا الشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن تكون علاقتي جيدة مع كل ناطق صحفي باسم الحكومة الألمانية. وقد شاءت الظروف في منتصف سنوات الثمانينات، أن تجمعني مع ناطق صحفي باسم الحكومة الألمانية في عهد الستشار الألماني الأسبق هلموت كول بمناسبة حفل استقبال أقامته وزارة الخارجية الألمانية  لوزير خارجية عربي. وقد أتى الوزير متأخراً عن موعده نصف ساعة.  وهذا "السلوك" مرفوض كلياً على الصعيد الرسمي في العرف الدبلوماسي،  وأيضاً على الصعيدين الأخلاقي والإجتماعي. وعدم احترام الموعد من جانب الوزير العربي، دفع الناطق الصحفي باسم الحكومة الألمانية إلى توجيه سؤال لي بالقول:  لماذا أنتم العرب هكذا؟ وبما أني لا أملك جوابا مفنعاً لسؤاله، أجبته يرد ممزوج بالجدية والمزاح: " لو لم نكن نحن كذلك لما كنا عرباً".

غالبية الساسة والمسؤولين العرب ليسوا هم فقط  الذين لهم سلوكيات غير مقبولة. إن عدم الإلتزام بالوقت وعدم احترام المواعيد وعدم إظهار السلوك الحسن، هي من بين الأمور السلبية التي يتميز بها مجتمعنا العربي بشكل عام، وأنا لا أريد هنا التعميم لمعرفتي التامة بوجود فئة في مجتمعنا هي ضد هذه الممارسات.

 لقد تعلمنا أن التربية الصحيحة ينجم عنها سلوكيات لائقة وحسنة مع الآخرين ومع البيئة التي يتعايش الانسان فيها،  لأن السلوكيات هي بالدرجة الأولى تربية في الأساس، لكن سلوكيات فئة من المواطنين العرب، والتي نعيشها كل يوم،  كما لاحظتها في الشارع العربي، هي وللأسف سلوكيات فوضوية إستهتارية، تدعو إلى الإشمئزاز.

توجد أمام بيتي محطة باص، وذات يوم أردت الذهاب إلى وسط البلد في الناصرة، لأني في هذه الأيام بدون سيارة. وفي محطة الباص رأيت منظراً يثير الإشمئزاز والسخط، فقد أقدم صاحب سيارة على ركن  سيارته أمام المحطة، لدرجة أن الأشخاص منتظري الباص، لا يستطيعون الجلوس على المقعد المخصص لهم في المحطة بسبب السيارة. وعرفت من أحدهم اسم صاحب السيارة ورقم هاتفه. فاتصلت به  وقلت له بأدب، ان ما فعله مناف لكل السلوكيات واختراقاً للقوانين، وليس من المنطق إيقاف السيارة بهذا الشكل.

كنت أتوقع من صاحب السيارة الإعتذار على فعلته، لكنه كان في منتهى الوقاحة وقلة الأدب، حيث أجابني: " أنا بدي أصف سيارتي وين ما بدي.. وما حدا إلو عندي إشي". نعم.. هكذا كان رد صاحب السيارة، ضارباً بعرض الحائط كل معايير الأخلاق والتصرفات اللائقة.

حادثة أخرى مماثلة، عشتها في ساعات الصباح أمام مبنى الـــ "مشبير" في الناصرة. فقد رأيت شاباً يوقف سيارته في المكان المخصص لباصات البلد،  وكنت وقتها أنتظر الباص الذي يقلني إلى بيتي. ذهبت إلى الشاب ونصحته بعدم إيقاف سيارته في مكانها، لأن الموظفين الذين يحررون المخالفات لن يتركوه وشأنه، وأنهم منتشرون في الشارع. وبدلاً من أن يشكرني على نصيحتي، نظر إلي مستغرباً وقال لي:" يا عمي انت ما بتعرف أنا مين.. اللي بعملو المخالفات بعرفو السيارة وصاحبها.. واللي بكتب مخالفة بتنكسر إيدو". فشكرت هذا الشاب على المعلومة المهمة التي سمعتها منه، واعتذرت أنا منه على عدم معرفتي به وبسيارته وبعائلته، ولحسن حظي وصل الباص الذي انتظره.

صورة مزعجة أخرى عشتها في الناصرة العليا. فقد رافقت أحد الأصدقاء لإتمام معاملة له في دائرة رسمية، وفي طريق العودة، أكمل الصديق شرب ما تبقى من علبة عصير كانت معه، وظلت العلبة الفارغة في يده، حتى وصلنا الناصرة العربية، ففتح النافذة ورمى العلبة على الشارع. فسألته لماذا لم يفعل ذلك في الناصرة العليا، فقال بكل برودة أعصاب: " يمكن حدا يشوفني ...وهاي بهدلة وفيها مخالفة". تصوروا أن هذا الانسان أخذ بعين الاعتبار إمكانية أن يتعرض  للمحاسبة في المحيط اليهودي، ولذلك تصرف خوفاً وليس احتراماً للقوانين.

والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً: لماذا لا يتصرف العرب ــــ أو بعضهم ــــ في محيطهم، مثلما يتصرفون في المناطق اليهودية. والمفروض منطقياً وأخلاقياً أن يحافظوا أيضا على بيئتهم واحترام القوانين فيها.

الإنسان يتم تقييمه من خلال سلوكياته وأخلاقه، فبحسن الخلق يرتقي المرء إلى قلوب الناس. فلنحسن أخلاقنا وسلوكياتنا أينما كنا، ونتذكر دائماً قول الشاعر: " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت / فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ". فمتى نفهم ذلك؟؟