[x] اغلاق
لنقرأ الوصيّة
25/7/2017 7:48

لنقرأ الوصيّة

جدعون ليفي ترجمة: أمين خير الدين

كل إسرائيلي مُنْصِف يجب أن يقرأ وصيّة عمر ال-عبد. الخيانة الحقيقيّة هي في عدم قراءة وصيّة عمر ال-عبد. الخيانة الحقيقيّة هي في الاعتقاد أنه بواسطة أجهزة الكشف المعدني والتصفيات، وبواسطة هدم البيوت والاعتقالات، والنهب والقهر يمكن منع العمليّات الكثيرة والقادمة في المستقبل. الخيانة الحقيقيّة في وضع الرأس في الرمال [كالنعام].

  مع كل الاشمئزاز من العمل الفظيع، على كلّ إسرائيلي أن ينتبه إلى ما قاله عمر ال-عبد وأن يستخلص النتيجة. ستتحول كل الضّفّة الغربيّة، لا أحد يعرف متى، لعمر ال-عبد – ومعها أيضا قطاع غزّة. ومَنْ يعتقد أن هذا سيكون بشكل آخر عليه أن يُراجع كتب التاريخ. هكذا يبدو الاحتلال وهكذا ستكون مُقاومته – ستُراق دماء كثيرة.

     "هذه كلماتي الأخيرة"، كتب الشاب من كوبر، قبل أن يخرج  ليقتل مستوطني حلميش المحاذية. "أنا شاب لم يتجاوز عمري العشرين بعد، لي أحلام وطموحات كثيرة - لكن أيّة حياة هذه، تقْتَل فيها نساؤنا وشبابنا ظلماً؟" ماذا سنقول لل-عبد ؟ ألا تُقْتَل نساؤهم وشبابهم ظُلْماً؟ يعيش ال-عبد في قرية جميلة، وبواقع ليس هناك أبشع منه. جاره مثلا، نائل ألبرغوثي أمضى في السجن الإسرائيلي 33 سنة لأنه قتلَ سائق حافلة ركّاب، أُطْلِق سراحه وأُعيد للسجن بعد 32 شهرا بتعسّف مخيف، بحجة أنه خالف شروط  تحريره، جاره الآخر طبعا مروان البرغوثي، شخص آخر لو كان بواقع أكثر عدلا وأقل قَتامَة، لكان منذ زمن طويل حُرّا طليقا يقود أبناء شعبه.

    خرج ال-عبد ليقتل مستوطنين، لأنهم "يُدنِّسون المسجد الأقصى ونحن نائمون،  وهذا عار أن نبقى مكتوفي الأيدي". في الوقت الذي ينبش جنود حرس الحدود في غُرف الأموات في مستشفى المقاصد، بمطاردة  مُنْحرفة للجُثَث، خطّط  ال-عبد للعملية الدمويّة التي قام بها. في الوقت الذي يحاول أبناء جيله في أورشليم تخليص الجثّة النازفة لصديقهم بالقوّة، كي لا تخطفها إسرائيل كعادتها، قرر أن ينتقم. "أنتم يا مَنْ سلاحكم صدئ، أنتم يا مَنْ تُخْرِجون سلاحكم في المناسبات ألا تخجلون من أنفسكم؟ لماذا لا تعلنوها حربا من أجل الله؟ ها هم أغلقوا الأقصى وبقي سلاحكم صامتا".

      هذا نصّ توراتي.  كُتِب مثله خلال كلّ مقاومة بما فيه نضالنا. مصحوب بعبارات دينيّة، لأن كاتبها يؤمن بالله. وفي حالات عديدة يُجنَّد الدين لخدمة الله، كما كان بنضالنا، ماذا كنتم ستقولون لِ ال-عبد لو التقيتموه قبل أن يقوم بعمليّة القتل، غير "لا تقتل"؟ هل كان عليه أن يستجيب ويتراجع؟ أو أنه ليس محِقّاً، وأن الحقّ مع الاحتلال؟ وأن أمامه حياة عاديّة؟ ماذا يمكن لإسرائيلي أن يقول لفتى فلسطيني يائس، هل أمامه آفاق مفتوحة بحياته، هل ثمّة احتمال للتغيير، ليس ثمة سيناريو  يبعث على التفاؤل، وأن حياته ذلّ كبير – ماذا؟.

   اليأسُ في الضفّة الغربية سيّء ، واليأس في قطاع غزّة أكثر سوءا.  يجب أن يقضّ مضاجع كلّ إسرائيليّ، لأن دولته تتحمل مسئوليّة وجود هذا اليأس. وإذا لم تتحمّل مسئوليّتهم الأخلاقيّة ما لا يضج مضاجع الإسرائيليين – فإن الحقيقة أن هذا اليأس يبشّر سوءا. كان هذا سيحدث أيضا من وُجْهة نظرهم.  لم يكن ل أل-عبد ما يخسره في حياته، وأخطر الأعداء منْ ليس لديه ما يخسره. حتّى جلعاد أردان لا يستطيع إيقافه.

  أمس اقتحم جيش الدفاع الإسرائيلي قرية كوبر، فرضَ حِصارا واعتقل اخَ  أل-عبد كالعادة: أجرى الجنود "رسْما هندسيّا"  للبيت، وقُدِّم لوزير الدفاع ولقائد الأركان العامّة "تقرير أمنيٌّ"، دعا آبي غبّاي للتنديد، وغرّد يئير لبيد: "مُخرّب حقير"، قالت تصيبي ليبني: "يوحّدُنا الألم". ولم يجرُؤ أحد على أن يسأل نفسه: "لماذا عمر أل-عبد، الشاب ابن أل 20، مع كلّ أحلامه  وطموحاته، اشترى سكّينا وخرج ليقتل.