[x] اغلاق
فــي نَـفَـقِ التَّــوتُّــر!!
8/8/2017 11:35

فــي نَـفَـقِ التَّــوتُّــر!!

بقلم: مارون سامي عَزّام

نحن نعيش في دولة تُعتبر أحد الدّول الصناعيّة والتكنولوجيّة المتطوّرة في العالم وليس فقط في الشّرق الأوسط، فعلى الرغم من عَظَمَتها الاقتصادية وقوّتها الوقائيّة الصّوريّة برأي الجميع، فبالنسبة لها أي حادث تلوّث صناعي يحدث في أحد المصانع المنتجة للمواد الخطِرة، يُعتبر أمرًا مألوفًا، خارج عن الإرادة الصناعيّة السّامية!!، وهذا تخلّف رقابي مهني من قِبَل وزارة البيئة.

إسرائيل التي تنكّل بالمساعي السلميّة، تتلكأ بموضوع التّفاوض مع الفلسطينيين، ما زالت أيضًا تماطل وتتخبّط أيضًا في موضوع الحفاظ على البيئة، وما زال الطريق أمامها طويلاً، لتستوفي متطلّبات ونُظُم الوقاية العالميّة الصارمة جدًّا، لأنها غير قادرة على تطبيق القوانين على منشآتها، لذا أحاطتنا بسورٍ طويل من التّوتّر البيئي والصحّي، إلى أن أصبح التّلوّث البيئي جزءًا من الروتين اليومي!!

مجتمعنا العربي وخصوصًا بلديتنا، التي من المفروض أن تتعامل مع موضوع النّظافة البيئيّة والصّناعيّة تحديدًا، بفاعليّة وظيفيّة، كي تعكس صورة مشرّفة عن وضعنا البيئي، لئلاّ يظل يحقننا المجتمع الإسرائيلي بإبَر الجهل والتّجاهُل، أراها للأسف تسير حذو الدّولة، التي اعترفت رسميًّا بفشلها بتطبيق قوانين العمل والأمان في مواقع البناء والمصانع المنتجة للمواد السّامة.

لماذا بلديتنا تتمثّل بدولة ما زالت تتصارع مع هويّتها اليهوديّة؟!!، لماذا تغض الطّرف عمّا يحصل من تسيّب بيئي في المناطق الصّناعية؟!!، لماذا تأبى الاعتراف أنها أخفقت بمعالجة هذه القضية؟! الجواب هو، أن بلديتنا عاجزة عن اتخاذ أدنى تدابير الحيطة، لعدم وجود ميزانيّات كافية، كما عجزت عن تقديم أبسط الخدمات للمواطن!!، الذي لا يفخر بها، بل وجَد البلديّة تفخر بالمصانع الموجود في منطقتها الصناعية المهمَلَة، وبالنسبة لها مصدر دخل هائل جدًّا، من خلال دفع الضّرائب، رغم وجودها بالقرب من أحياء تضرّرت بيئيًّا.

لقد أصبح التّلوّث البيئي بين ليلةٍ وضُحاها نجمًا إعلاميًّا في صحافتنا المحليّة، التي تضعه رهن تحقيقاتها الميدانيّة بين الفينة والأخرى، ولكن لا أحد يستطيع أن يتّخذ أي إجراء قانوني ضده، رغم أنه ظاهر للعيان. يبدو أن البلدية، في صف الدّفاع عن حق أصحاب المصانع والورشات بإنشائها، على اعتبار أنها محميّةً صناعيّة مرخّصةً!، ممّا يجعل أصحابها يتغاضون عمدًا عن تطبيق قوانين حماية البيئة، رغم عِلمِهم التام أن الأوساخ تؤثّر على صحة الإنسان شِبه المتعافية، الذي يتناول "تشكيلة" من الأدوية اليومية ليحافظ على جودة حياته، وأصبح جسده مخزنًا للأدوية.

الجراثيم لم تعُد موجودة فقط في الجو أو في الهواء "النّقي" الذي نتنفّسه، بل إنها موجودة في كل مكان، سواء كان مأهولاً بالسّكان أو خاليًا منه، في البيوت والأماكن العامة المكتظّة، هذه الجراثيم غير مرئيّة، فعندما نُغسّل أيدينا بالصابون وننشّفها بالمنشفة، تبقى الجراثيم تصول وتجول على أيدينا إلى الأبد، تعشش خفيةً في مَناشف الحمّام النّظيفة، في كل زوايا المنزل، لكنها من النّوع الذي لا يضُر صحِّيًّا، تتكاثر في الرّطوبة والسخونة، وما زالت أسوار التوتّر تزداد طولاً، وعمر الإنسان، عالق بداخلها.

تدخين السّجائر، معروف منذ زمن طويل أنه أحد عوامل الإصابة بالأمراض السرطانيّة المنتشرة، فوضعتها الشركات المنتجة للسجائر على خط إنتاج توعيّتها الصّحيّة المعلّبة. محاولة الحكومة فرض المزيد من الضّرائب على عُلَب السّجائر، لتجنّب شرائها، لم تؤثّر أبدًا على المدخنين، بل ستبقى الأكثر طلبًا بين جميع الأعمار، يعتبرونه مسحوقًا تجميليًّا "يُجمّل" نفسيّاتهم المتعبة، "ويهدّى" أعصابهم، كأي مستحضر تجميلٍ رجّالي!!

التدخين ينفر الجميع من رائحته، وتتصاعد خيوط تلوّثه بكثافة من أفواه المدخنين، فتخنق أوكسجين الأماكن المغلقة، ولكن هناك فئة من المدخّنين الأنيقين الذين ارتقى مستوى تدخينهم إلى مستوى النرجيلة، التي يطلبونها في الأعراس والمقاهي والمطاعم، لدرجة أنّهم جعلوها جزءًا من حياتهم المنزليّة ليسحبوا أنفاس انزعاجهم!! تشير الأبحاث الأخيرة إلى وجود علاقة مباشرة بين النرجيلة ونسبة الإصابة ببعض أمراض السرطان، مثل سرطان الرّئة... وهناك ادّعاء خاطئ يقول إن الماء الموجودة في النرجيلة تعمل على "تصفية السّموم"، عمليًّا هي تُبرّد الدّخان، الذي يفوق نسبة استنشاقه كمية دخان السّجائر، يعني أسوار التوتّر تُحيط بمستقبل الإنسان الغامض في كل المجالات.            

سور التّوتّر فُرِضَ علينا نتيجة الظّروف العصريّة المتسارعة، الأماكن الترفيهيّة التي يرتادها الناس، كالمطاعم الشّهيرة المنتشرة في مجتمعنا، المأكولات السّريعة التي نأكلها، العصائر المصنَّعة غير الطبيعيّة، تُهيئ الإنسان للإصابة بأمراض مستعصية دون أن يعي ذلك، والبشر للأسف، مستمرين في نهجهم الحياتي اليومي، يتجوّلون في الشوارع كالأجسام الغريبة، مجرد آلاتٍ استهلاكيّة لا غير، المهم أنهم "يتمتّعون" بالمأكَل والمشرَب، يسيرون على مبدئٍ أحمق يردّدونه بغباء شديد، "ما هو الواحد عايش مرّة وحَدِة"!!...