[x] اغلاق
ثلاثون عاماً على استشهاد ضمير فلسطين الراحل ناجي العلي والإعلام الفلسطيني الرسمي تجاهل كل ذكرى اغتياله
16/8/2017 6:23

ثلاثون عاماً على استشهاد ضمير فلسطين الراحل ناجي العلي والإعلام الفلسطيني الرسمي تجاهل كل ذكرى اغتياله

الإعلامي أحمد حازم

بعد أيام قليلة وبالتحديد في الناسع والعشرين من هذا الشهر، تمر الذكرى الثلاثين لاستشهاد ضمير فلسطين الراحل ناجي العلي (أبو خالد)، الذي لا يزال يعتبر لدى الأجيال المتعافبة، إحدى أبرز الشخصيات الفلسطينية، حتى بعد استشهاده نتيجة إطلاق الرصاص عليه في وضح النهار في التاني والعشرين من شهر تموز/يوليو عام 1987 في أحد شوارع لندن، وإعلان وفاته في التاسع والعشرين من شهر أعسطس/آب. وقد قيل وقتها ـــــ ولا يزال يقال حتى الآن ـــــ أن مجهولاً (؟!!!) أقدم على اغتياله أمام بيته في لندن عاصمة الضباب كما يسمونها.

جهاز الشرطة البريطانية (سكوتلانديارد)  المعروف على الصعيد المحلي والدولي بأنه أحد أقوى أجهزة الشرطة في العالم، نجح في الكشف عن  قضايا كبيرة ومعقدة ولكنه رغم قوته، لم يستطع الكشف لغاية الآن  (!!!) او بالأحرى لا يريد الكشف عن  الجهة التي كانت وراء عملية اغتيال الراحل ناجي العلي.

لقد عرفت الراحل عن قرب والتقيته مرات عديدة في بيروت، وآخر مرة في لندن، التي أرغم الراحل أبو خالد على السفر إليها بترتيب خليجي مع جهة فلسطينية. قلت له ذات يوم إن قبوله بالبقاء في لندن حسب اقتراح صحيفة "القبس الدولي" التي كان يعمل بها في الكويت، كان قراراً خاطئاً لأن لندن ( مربط خيول العرب) كانت تعتبر وقتها إحدى العواصم التي يسهل فيها تنفيذ عمليات اغتيال.

لم يأبه الراحل للتهديد بحرق أصابعه بالأسيد، والذي ورد على لسان قائد فلسطيني كبير. فرد الراحل على ذلك بقوله المشهور: "يا عمي لو قطعوا أصابع يدي سأرسم بأصابع رجلي ". وكان الراحل يؤمن بأن الله وحده يعرف الساعة التي لا مفر منها  حتى لو كان الانسان في أبراج محصنة.

في أواخر السبعينات وطيلة سنوات الثمانينات، عملت محرراً في وكالة أنباء ألمانية، وبقيت علاقتي مستمرة مع الراحل ناجي العلي، وكنت أعرف في داخلي، أن إبعاد ناجي العلي من الكويت إلى لندن كان الهدف من ورائه التخلص منه. وذات مرة وكما أذكر في النصف الأول من شهر يوليو/ تموز عام 1987 كنت في زيارة لجزيرة قبرص، وأجريت اتصالاً مع الراحل أبو خالد وعندما أردت إنهاء المكالمة، قال لي: " مالك يا زلمي مستعجل ... خلينا ندردش كمان شوي يمكن تكون هاي آخر مرة منحكي مع بعض". وفي الشهر نفسه وبالتحديد بعد أيام قليلة من مكالمتنا تعرض الراحل لعملية الاغتيال في الثاني والعشرين من الشهر نفسه، وكانت بالفعل آخر مرة تحدثتنا مع بعض، ولا أزال ألوم نفسي لغاية الآن لعدم إطالة الحديث معه.

الراحل ناجي العلي خلق شخصية الطفل الساخر حنظلة في صحيفة السياسة الكويتية، وأصبح حنظلة الرمز الأكثر شهرة في الرسم الكاريكاتوري. وما  كتبه الراحل على لسال حنظلة ينطبق على الوضع السياسي الحالي فلسطينياً وعربياً. كان أبو خالد  يرى في حنظلة رمزاً يمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية، ولذلك أصبح هذا الرمز يتمتع بشهرة عربية وعالمية مثل صاحبه، يفتخر ويعتز به بالدرجة الأولى الفلسطينيون في كل أماكن تواجدهم.

كل رسم كاريكاتيري للراحل كان يعبر عن هم كل فلسطيني وكل عربي وطني مخلص. كان يرى أن " مهمة رسام الكاريكاتير ليست إعلامية مجردة، بل مهمة تحريضية وتبشيرية، تبشر بالامل والمستقبل، وعليها واجب كسر حاجز الخوف بين الناس و السلطة ".

 كانت رسوماته التي تجاوزت الأربعين ألفاً، لها تأثير سياسي في الشارع العربي من المحيط إلى الخليج، وهو الذي كان يستهدف التغيير فلسطينياً وعربياً، ولذلك كان يزعج أنظمة عربية معينة، وهو الذي استطاع أن يحول الرسم الكاريكاتيري من مجرد رسم مضحك، إلى رسم توعية سياسية، وإلى عامل محفز من أجل التغيير، ولذلك أرادوا له أن يموت.

بقي علي القول، ان الإعلام الفلسطيني الرسمي إن كان ذلك في عهد الراحل ياسر عرفات أو في عهد محمود عباس  لم يتحدث نهائياً عن أي ذكرى لاستشهاد ناجي العلي وكأن الراحل ليس فلسطينيا، ومن حق الشعب الفلسطيني أن يتساءل عن السبب، خصوصا أن الراحل ناجي ليس شخصية معروفة على الصعيد الفلسطيني فقط إنما على الصعيدين العربي والعالمي. فهل من تبرير لذلك يا قيادة رام الله؟؟؟

الراحل ناجي العلي توقع مسبقا مصيره، وكان يعرف أنه لن يموت موتاً طبيعياً، ولذلك عندما زرت لأول مرة ضريحه الموجود في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن ويحمل الرقم (230191)، تذكرت  قوله الرائع: " اللي بدو يرسم ويكتب عن فلسطين، بدو يعرف حالو ميت". رحمة الله عليك يا أبا خالد، يا ضمير فلسطين.