[x] اغلاق
لذكرى رحيل الفاضلة أدلين جبّور - صليبا (أم منذر)
23/8/2017 13:00

لذكرى رحيل الفاضلة أدلين جبّور - صليبا (أم منذر)

ذكراها نسيم الذكريات

بقلم: مارون سامي عزّام

ما زال بركان القدر ثائرًا، لم يهدأ بعد... يُطلق من جوفه حِممه عشوائيًّا بلا رحمة، حتّى سقطت على السيّدة الفاضلة أدلين جبّور، صليبا (أم منذر) فجرفها سيل الموت بوحشيّة، جارفًا معها الذّكريات الحلوة واللحظات الثمينة، الذين سقطوا في هوّة الوداع الأخير. رحلت قبل أن يودّعها نجلها المغترب، صديق الطفولة، جهاد، شيّعها المشيّعون على أكتاف الحزن العميق. منذ صغَري ربطتني بها علاقة ود شديدة جدًّا، دائمًا كان المرح المضاد الحيوي الذي جعلها تتأمّل بفرح سرب طيور الحياة، الذي حلّقَ في سمائها، أسمَعَتها زقزقة السعادة. 

لم تكُن اجتماعيّةً فحسب، بل تمتّعت بأخلاق عالية، ورثتها عن والدها الراحل جبّور جبّور، الرئيس الثاني لبلدية شفاعمرو.... شَهِدَت أهم الأحداث التاريخية للبلدة كغيرها من الشفاعمريين، كان لها الأثر الشّديد على سير حياتهم... عاشت المرحومة حياة صالحة وبسيطة كبساطتها، حفِظَت العادات والتقاليد، حافظت على رباط الجيرة العريق، مع جميع جيرانها في حارتها الغربيّة العزيزة على قلبها.

أحبّ النّاس ترحيبها بهم لطيبة قلبها الكبير الذي خفق بالمودّة، وهُم تقرّبوا من ملامحها السّمِحَة، فرأوا فيها مثال المرأة القادرة على تحمّل عثرات الزّمن، وأهوائه المتقلّبة التي تغلّبت عليها بقدرتها الفائقة على تجاوز المِحَن. روح الدّعابة كانت قاسمًا مشتركًا بين شقيقتيها الرّاحلتَين: عفاف بحّوث، (أم كاتم) وروزيت نصرالله، (أم مروان)، هذه السّمة الخاصّة توارثها أبناؤها وبناتها، واندمجت في نهج حياتهم الخاصّة والعامّة، مزاح أم منذر السّلس، كان غنيًّا بالكلمات اللطيفة، فطيَّبَت خاطر الجميع تلقائيًّا، كالأعجوبة.

أم منذر، لم تكن فقط وعاءً كبيرًا من الحنان، الذي احتوى أبنائها وعائلاتهم والأقارب، بل كانت أمًّا روحيَّة، رعَت أشقّائها بمنتهى الإخلاص، وخاصةً شقيقتها نُهى أمدّ الله في عمرها، التي آلمها فراقها كثيرًا، لأنها كانت تأنس لرؤياها، تظلّلت تحت ظلال الرّاحلة الوارفة بالرّاحة. راعت أم منذر احتياجات أولادها، حضنت أحفادها ببشاشتها... فراقها بالنسبة لأسرتها، هو افتقاد للذّكريات، وفقدان شخصي لكل فردٍ منهم، ونسائم شوقهم إليها ستبقى تلاطفهم يوميًّا. إنها نبع من التضحيّات الرقراق بدموع سهر الليالي... ومحيط من الاشتياق الذي عامت فيه قوارب لهفتها وتشوّقها لرؤية شقيقها المغترب والنّبيل سمير جبّور وعائلته، الذين ظلّوا على تواصل هاتفي دائم معها.

لم تشكُ يومًا من مزاحمة الظّروف لأيّامها، لم تئن من الألم، فوضعتهم تحت وسادة تفاؤلها المحشوّة بالأمل، التحفت بالمعنويات العالية، نامت على سرير الطمأنينة، وهي على يقين أن شمس الفَرَج لا بُدّ أن تُشرق عليها، لينقشع غمام الهموم. لقد كان بيتها مفتوحًا، الكرم كان عنوان ضيافتها، ورغم كِبَر سنّها، إلاّ أنها بقيت تُقدّم المساعدة لغيرها من أفراد العائلة تحت أي ظرف، هذا كان محطّ احترامهم وتقديرهم لها، لأنها لم تعرف الملل، النّشاط الدّائم الذي عاشته طوال حياتها، منحها اكتفاءً ذاتيًّا، كما منحها الرّب أيقونة الحياة الأبدية، لشدّة إيمانها وورعها.