[x] اغلاق
لذكرى رحيل صبحي شهاب (أبو غالب)
28/8/2017 7:26

لذكرى رحيل صبحي شهاب (أبو غالب)

قـامـة تألَّقت بالاستقـامَــة

بقلم: مارون سامي عزّام

ما زالت بوّابة الآخرة مُشرعة على مصراعيها، يأبى القدر الذي يقف حارسًا عليها إغلاقها، لتبقى قاعات العزاء منتشرة في كل مكان... وما زال ينتظر دخول المزيد من الراحلين الذين لا ذنب لهم، سوى أنهم أرادوا أن يتمتّعوا أكثر في الحياة، فدخل من بوابة الآخرة العم صبحي شهاب، الذي كرّس حياته العامّة في خدمة مجتمعه، من خلال مخبزه الشّهير "إخوان شهاب"، الذي أذكره منذ أن كنتُ صغيرًا.

كان نشيطًا جسديًّا، همّته القويّة، لم تُثنِهِ يومًا عن أداء عمله بإتقان في المخبز حسب المعايير الصّارمة، حفاظًا على جودة الخبز، وأيضًا حفاظًا على سمعته الطيبة. تناول أبناؤه من والدهم أرغفة التربية الحسنة والأخلاق العالية والتواضع، وما زال المخبز يُطعِم الآلاف... سلّمهم الراحل هذه الوديعة المهنية، بعد أن تأكّد أن عجينة الخبرة قد اختمرت جيّدًا في فرن ممارستهم.

بعد أن أصبح بالغًا في السّن، ظلّت الهيبة ترسم ملامحها على وجهه، عاش في خيمةٍ من الهدوء، أطرافها متماسكة بحبال راحة البال والمحبّة، فلم تزعزعها رياح الزّمن، اجتمع فيها أفراد عائلته. كلامه الهادئ كان نغمةً رقيقةً، فَرِح بسماعها جميع من التقى بهم، فلَم يُغيّرها أبدًا، واعتبرها أرجوحة الطّمأنينة، التي تأرجحت بينه وبين مُحدّثيه، وتحوّلت إلى علامة فارقة في جلساته.

أبى أبو غالب أن تتعثر مسيرته الحياتيّة بحجارة الظّروف، لتمنعه من القيام بواجباته الاجتماعية العديدة، فاستطاع أن يبعدها عن دربه بإرادته الصّلبة وبحيويّته المعروفة، التي تغلّبت على جميع العوائق الصحيّة، فكان حاضرًا في كل المناسبات، لم يتخلَّ عن مبدأ مساعدة الغير، الذي حرِصَ عليه، هذا نابع من حسّه الإنساني المرهف، الذي رافقه منذ حداثته.

كان لدى أبي غالب محاولات شعرية شعبية جميلة جدًّا ومنوّعة، فمنها الاجتماعية التي تناولت بعض العادات والتقاليد، وكذلك الأشعار السياسيّة، التي نظَم بعضها عن نكبة الشّعب الفلسطيني، كَتَبَ معظمها باللهجة العاميّة، رغم اعتزازه الشديد بها، لكنه لم ينشرها... دائمًا كان يحكي لي عن أشعاره، وقد زارني مرة في مكتبي المنزلي، حاضنًا بحرصٍ كبير دفترًا كبيرًا فيه كتاباته الشعرية، مكتوبة بخطّ يده المميّز، فلمحتُ شروق شمس السعادة من عينيه، وبالأخص عندما ألقى بصوته مقاطعًا منها... قدّرتُ عاليًا زيارته لي، التي أسعَدَتني حينها، لأنّها اتسمت بنكهة المرح والود، كما كان يكِنّ لي مكانة خاصّة لديه، هذا دليل تقديره لي ولمسيرتي الإبداعيّة، التي تابعها في الصُّحف.

حَمَلَ منذ مطلع شبابه الكتاب بين يديه، لم تكن القراءة بالنسبة له مجرّد هواية عابرة للهو، أو لملء الفراغ، بل اعتبرها من أولويّاته اليوميّة الهامّة، اكتسب منها المعرفة الثقافية الذّاتية، التي اعتبرها مَهمّة خاصة به، فيها تنوّع يُسحر الأذهان، وظلّ يتابعها بشكل يومي، محيطًا فكره المنفتح بهالةٍ من نور الوعي، كما يحيطه الباري بنور الحياة الأبديّة.