[x] اغلاق
لذكرى رحيل الطبيب مروان سليمان خوريِّة
25/9/2017 11:21

لذكرى رحيل الطبيب مروان سليمان خوريِّة

مِــرآة مِــنَ الشّهامَة

بقلم: مَارون سَامي عَزّام

ويلات الأمراض منتشرة في كلّ مكان، تزرع الهلع في قلوب النّاس، تتعدّى على أمنهم الصّحي دون سابق إنذار، تحطّم نفسيّاتهم، فتنهار طموحاتهم، تأبى أن تكون حياتهم آمنة أسَريًّا، بل تريدهم معذّبين، وهُم في أوج توهّجهم الإنساني أمثال الدكتور الصديق مروان خورية، الذي رحلَ عنّا باكرًا إلى عالم الخلود، وقد تميّز عطاءً، كطبيب أطفال، وكشخصيّة اجتماعيّة.

بصراحة لم أصدّق كُلّ ما قيل عنه، عندما سمعتُ لأول مرة أن المرض بدأ يسرق منه كنوز عافيته خلسةً، دون أن يشعر، فكنتُ دائمًا ألتقي به، وكان كعادته منشرحًا نفسيًّا، لم تبدُ عليه علامات التّعب أو الإرهاق. كان المقاوم العنيد لمرضه، ولم يرضخ لإملاءات الظّروف، التي كانت تمنعه من الاستمرار في تأدية واجبه العلاجي تجاه الأطفال، الذي عشق التعامل معهم، لأنه أحبَّ مهنته حُبًّا فائقًا.

اتّكلت أمّهات الأطفال على مهاراته، وارتحنّ لعطفه عليهم، ولإحساسه بأوجاعهم، مُعتبرًا حالاتهم حالة خاصّة، مُودَعةً بين أحضانه الأبويّة، فمنحهم الرّعاية اللازمة، لم ينزعج أو يتأفّف يومًا من طلب الاستغاثة، لأنّ علاقته مع أهالي الأطفال، كانت علاقة ابن البلد الشّهم غير المادي، مع أصدقائه، الذين رأوا فيه صورة الطبيب الموضوعة في إطار نخوته، ملوّنة بألوان الرحابة والترحيب.

هذا الإنسان المدهش بحضوره، اتّسم بخفّة الظّل والظَّرافة، لكنّه من جهة أخرى كان مُدافعًا شَرِسًا عن مبادئه الحزبيّة، التي نشأ عليها، عزّزت فيه روح الانتماء ليس فقط للحزب الشيوعي فحسب، بل لمجتمعه أيضًا، علّمته قيمة الوطن وأهمّيّة الوطنيّة، غير المشوبة بالعَمالة، بل المبنيّة على الشّفافيّة والصّدق، لانتمائه لعائلةٍ ما زالت تحافظ على تعاليم الحزب الشيوعي، والرّاعية التاريخيّة لقيَم الجبهة، فعمّه القائد المخضرم شفيق خوريّة، من القادة الشيوعيين المعروفين، هكذا الراحل الدكتور مروان، اشتهر بولائه للحزب، وبانتسابه لهيئاته.

آخر لقاءٍ كان بيننا، اعتبرته عابرًا وغريبًا بعض الشّيء، قبل حوالي شهرين من رحيله... إذ كنتُ أستعد للسّير بسيّارتي، فوجئت بسيّارةٍ تتوقّف وسط الشّارع، وترجع إلى الخلف، وإذ به الرّاحل مروان، فقال وهو يبتسم: "أردتُ أن ألقي عليك التّحيّة". سُرِرت بلفتته، لكن يبدو أنّها كانت مشاهدتي الأخيرة له، وأحبّ أن يودّعني، قبل أن يُسدِل القَدَر ستار الغيبوبة عليه.

يعز علي أن أودّعكَ أيها الصديق الطبيب مروان خورية، لأنّ رحيلكَ آلمني... كل يوم كنتُ أمرّ بجانب عيادتكَ، المتواجدة في منطقة باب الحواصل التاريخية، لأرى إطلالتك، فأنت فرد عزيز منها، أحبَبتَ أهلها، احترمت كل جيرانها. أيُّها المتواضع بأخلاقكَ، ستبقى مرآةً من الوداعة التي عكست طيبتك على الناس، وذِكركَ يبقى ذُخرًا وفخرًا للمجتمع العربي.