[x] اغلاق
لماذا نحن العرب هكذا؟ قراءة هادئة وناقدة في أحداث العنف في بلدة كفرمندا
27/9/2017 8:03

لماذا نحن العرب هكذا؟ قراءة هادئة وناقدة في أحداث العنف في  بلدة كفرمندا

الإعلامي أحمد حازم

استخدام المفرقعات في مناسبات معينة أو حتى في غير المناسبات، يعتبر من السلوكيات المرفوضة قانونياً واجتماعياً في المجتمعات التي تحترم نفسها. وعلى ما يبدو فإن المجتمع العربي لا مكانة له في مثل هذه المجتمعات. فكثيراً ما نسمع أصوات مفرقعات في الأعياد والأعراس حتى وصل الأمر عند بعض الناس إلى استخدامها في عودة الحجاج من الديار المقدسة. لكن فئات في مجتمع كفر مندا تخطت هذا الإستخدام إلى أبعد من ذلك واستخدمت المفرقعات في الشجار. وما سمعناه وشاهدناه في الأيام الأخيرة من مفرقعات شديدة الصوت تدوي في أجواء كفرمندا بسبب خلاف عائلي، يندرج بالفعل تحت مسمى  "حرب المفرقعات". وإذا بقيت البلدة مستمرة بين فترة وأخرى في الشجارات العائلية واستخدام المفرقعات بشكل مخيف، فإنها مرشحة لتدخل موسوعة "جينيس" في الشجار واستخدام المفرقعات.

ذات يوم سأني ناطق صحفي باسم الحكومة الألمانية: " لماذا أنتم العرب هكذا؟" وبما اني لا أملك جواباً مقنعاً لهذه ألــ (لماذا) أجبته بمزاح:" لو لم نكن كذلك لما كنا عرباً". وما جرى في بلدة كفر مندا قبل أيام قليلة وما جرى فيها في ربيع هذا العام وما عاشته كفر مندا في أواخر السنة الماضية، وحتى في بعض السنين الماضية يعيد إلى ذاكرتي نفس السؤال الذي طرحه علي الناطق باسم الحكومة الألمانية: لماذا نحن كذلك؟؟

قد يصف محلل عما يجري في كفرمندا  بأنه تخلف إجتماعي، وقد يقول آخر أن ما يجري يندرج في إطار الجهل، وإذا كنت صادقاً مع نفسي ومع مجتمعي العربي وخصوصاً مع مجتمع كفرمندا أقول: "ان التربية البيتية والمدرسية والممارسات العشائرية وأيضاً قيادات المجتمع العربي تتحمل مسؤولية كل بلاء يحصل في مجتمعنا. هناك مصيبة في السلوك التربوي، وهناك مصيبة أكبر في الممارسات الإنتخابية التي دائماً ما تتصف بالعنف، لأن قوانين العشائرية والقبلية هي السائدة في مجتمعنا العربي. فكيف يمكن لمجتمع في بلدة عربية أن يكون خالياً من العنف، إذا كان رئيس البلدة  قد وصل إلى الحكم من خلال "البلطجة والقوة"، أو إذا كان رئيسه قد تولى سدة الحكم من خلال العشائرية والقبلية وكأننا في أفريقيا، فكيف يمكن بناء مجتمع سليم في بلدة عربية إذا كان المسؤول أمياً ثقافياً وحتى علمياً والأمثلة كثيرة ومتعددة. قد يقول قائل: صناديق الإقتراع هي التي تقرر. نعم أنا مع هذا القول. لكن المشكلة ان العائلية هي التي تتحكم بصناديق الإقتراع والعائلية هي التي تقرر، ونظرية الرجل المناسب في المكان المناسب لا وجود لها مطلقاً في مجتمعنا العربي.

رئيس مجلس كفرمندا المحلي طه زيدان استنكر يشدة حوادث العنف الأخيرة في بلدته وناشد الأهالي"الإستمرار في الحفاظ على اجواء كفرمندا هادئة امنة دون أي اعمال عنف تعكر صفوها، وأن يأخذ كل شخص مسؤوليته من موقعه انطلاقا من البيت، المدرسة، الحي، المناسبات الإجتماعية وكل موقعٍ يمكن التأثير من خلاله ايجاباً في سبيل زيادة الوعي والإنتماء للبلد".

وهنا أريد أن أعيد إلى ذاكرة الرئيس، أن كلامه الذي وجهه إلى مجتمع كفر مندا سيذهب في مهب الريح شأنه شأن كل كلام مماثل قيل في كل مرة تحصل فيها اشتباكات. وأريد أن أعيد إلى أذهان الرئيس زيدان ما جرى في شهر كانون الأول من العام الماضي: "بعد أحداث العنف المؤسفة التي عصفت بقرية كفرمندا،وما أحدثته من تصدع بالعلاقات بين أبناء البلد والواحد وخلقت حالة دائمة من الإحتقان الإجتماعي، تكللت الجهود والمساعي بالتوصل إلى اتفاق ميثاق شرف تحت عنوان “كفرمندا للجميع”.

فلماذا لم يتم التمسك بمضمون (ميثاق الشرف) ولماذا لم يحترم هذا الإتفاق ولم يتم تنفيذه قولاً وفعلاً، خصوصاً وأن كفر مندا مرت بأكثر من حالة شجار وعنف منذ توقيع الإتفاق، ومن يتحمل المسؤولية عن ذلك؟ هل هم الصغار (أبطال الشجار) أم الكبار والوجهاء في البلدة. وهنا أتساءل أنا أيضاً: "لماذا نحن العرب هكذا"

لا زلت أتذكر صورة  قاتمة رسمها طفل من بلدة كفرمندا بعد مشاركة والده في شجار عائلي، حيث رسم الطفل شخصاً يحمل مسدساً بيد وباليد الأخرى يحمل سكينًا، ومشاهد عنيفة مأساوية استوحاها الطفل بتأثير من أحداث كفر مندا. صورة معبرة لها أبعاد كبيرة المفروض فهمها. وإذا كنا غير قادرين على التمسك بنص "ميتاق شرف" في غاية الأهمية وقعه وجهاء كرام من أجل الحفاظ على مجتمعنا من الفتن والآفات الأخرى فماذا بعد إذاً؟؟؟؟