[x] اغلاق
ليلة الرعْب في العيساويه: تضمّنت عمليّة تجميل حياة سكّان الحيّ 51 معتقلا
30/10/2017 8:23

ليلة الرعْب في  العيساويه:

تضمّنت عمليّة "تجميل" حياة سكّان الحيّ 51 معتقلا

جدعون ليفي و أليكس ليبك                                                       ترجمة: أمين خير الدين

          

اقتحم هذا الأسبوع مئات من رجال الشرطة حيّ العيسوية شرقي ألقدس، ترافقهم طائرة هليوكوبتر والكلاب. 25 معتقلا قاصرون. تدّعي الشرطة أن العمليّة شملت مَحْوَ كتابات غرافيكية وإزالة نفايات.

    كان الهدف من العمليّة "تحسين" جودة حياة السكّان ويمكن تعريفها بعمليّة إنسانيّة. مئات من رجال الشرطة وجنود حرس الحدود الذين شاركوا في عمليّة اقتحام وحشيّة لبيوت السكان تحت جنح الظلام، معهم الكلاب، سحبوا 51  مواطنا من فراشهم، قيّدوا أيديهم خلف ظهورهم وأخذوهم للمعتقل، دون أن يقدّموا أيّ تفسير، وكما يقول عامر عروري، محقق بتسيلم، إن 25 من المعتقلين قاصرون. وقف ذووهم هذا الأسبوع على باب المُعتقل في ساحة الروس ( المسكوبيّة) في العاصمة قلقين وخائفين، ينتظرون بادرة حياة من أبنائهم، وعلى ما يبدو كان اعتقال أبنائهم لتحسين جودة حياتهم.

       اقتحمت القوّات في الليلة بين يوم الأحد ويوم الاثنين. "عمليّة 700" كانت عملية مختلطة حسب إعلان الشرطة، شارك بها رجال من الشرطة وعاملون مدنيّون في البلدية، وتضمّنت اعتقالات، تجميل واجهات المدينة، جباية ضرائبـ ،تفتيش عن المخدّرات، اعتقال لمّن يلقي حجارة، إزالة نفايات،ومَحْوِ كتابات غرافيكية وإزالة لافتات شكّلت خطرا على حياة السكّان.

    العيسويّة حيّ في شرقي القدس غنيّة وهائجة، يسمّيها السكان قرية، تقع في أعالي جبل سكوبس، مقابل الجامعة العبريّة، عندما وصلناها في اليوم التالي، كانت شوارعها مزدحمة بالسكّان، كانوا كلّهم يشكرون الشرطة وحرس الحدود وقوّات الاحتلال ألأخرى، على عملهم الأخلاقي، ولضمان عدم توسّع مظاهرات الفرح والاعتراف بالشكر وعدم امتدادها خارج حدود هذا الحيّ السعيد، وقف جنود الشرطة وجنود حرس الحدود عند مداخل الحي يفحصون الداخل والخارج. يقول محمد أبو حمص، عضو لجنة الحيّ، إن عمليات من هذا النوع تجري كلّ نهاية سنة، المقصود منها جباية الديون المتراكمة على السكان لصالح السلطات الضريبية التابعة للبلديّة.

فقط  رجال الشرطة

  ذهبنا في أعقاب الجنود في اليوم التالي،إلى بعض البيوت التي اقتحموها ليلا. في  آخر الحيّ، تحت جدار مستشفى هداسا، يسكن بعض أبناء عائلة درويش الكبيرة، فتح لنا الباب طارق درويش، يلبس فانيلا تكشف عن عضلاته وعن الوشم على ذراعيْه. يعمل سائق حافلة للركاب، عمره 44 سنة  أب لستة أبناء، ذهب لينام الساعة الواحدة ليلا، استيقظ  هو وزوجته، تحرير، في الساعة الثالثة قبل الفجر على صوت دقّات على باب بيته، وحتى "صحصح" من نومه كان جنديّان من حرس الحدود يقفان في غرفة الضيوف، دخلا من الباب الخلفي الذي لم يكن مُقْفلا، وقد وقف عند الباب الأمامي أربعة جنود من حرس الحدود ومدنيّان، ومعهم كلب. "أنت طارق؟"، سألوا،  "نحن من الشرطة. نريد يوسف".

   يوسف ابن أل-21. "لماذا تسالون عن يوسف؟"، سأل. "معنا أمر من المحكمة باعتقاله، مطلوب للتحقيق". أبرزوا له الأمر، كان يوسف موقوفا لمدّة أسبوع قبل ثلاث سنوات بتهمة إلقاء الحجارة. ينام مع أخته تالا، ابنة أل -11 سنة. عاد يوسف من السهرة قبل قليل ولذلك غفا. استيقظت تالا مذعورة: كان رجال الشرطة  يتجولون بغرفتها وهم مسلحون، استيقظ يوسف بعدها. الابن الأصغر، استمرّ درويش ابن الأربع سنوات، بنومه في الغرفة المجاورة. قال جنود الشرطة ليوسف إنهم سيأخذونه معهم، وأمروه أن يلبس ثيابه. استيقظت أختاه بتول ابنة أل- 16 سنة، وهديل ابنة أل- 13 سنة مذعورتين، حاول والدهما أن يهدّئهما وقال إن رجال الشرطة جاؤوا ليأخذوا يوسف. قيّدوا يديه بقيود بلاستيكيّة وخرجوا إلى الظلمة، كانت طائرة هليوكوبتر تضيء أحيانا سماء العيسويّة.

     مكث الجنود والكلب في البيت أقلّ من نصف ساعة. قاموا بتفتيش قصير، لم يسببوا أيّ ضرر للأثاث ولم يفسِّروا ما هي تهمة يوسف. ذهبت أمّه تحرير في اليوم التالي إلى المسكوبيّة (عبثا) لتطمئن عن مصيره. يسكن في الطابق الذي فوقهم عمّ طارق، عثمان، مع زوجته وأبنائه. بعد مغادرة رجال الشرطة لبيت طارق وبعد أن أخذوا معهم يوسف، صعدوا إلى الطابق الثاني.

مُعْتَقَل عمره 15

    الشقّة في الطابق الثاني مملوءة بأدوات الزينة، خاصة  التماثيل الخشبيّة للحيوانات، كراميكا وزجاج، الأثاث في الصالون والأدوات في المطبخ تدلّ على اليُسْر، وصورة لحسن نصر الله بجانب الثلاّجة. في صباح اليوم التالي فتحت الباب جهاد درويش ابنة أل - 48، بلباس تقليدي، بينما كان زوجها عثمان في المسكوبيّة، يحاول معرفة مصير ابنه الصغير ابن أل- 15 عاما، تلميذ الصف العاشر، أوقفه رجال الشرطة في نفس الليلة، وصل رجال الشرطة إلى بيت عثمان في الساعة الرابعة صباحا بعد أن أنهَوْا عملهم في الطابق الأوّل.

   للزوجين خمسة أبناء وهو ابنهم الأصغر. ابنهم فادي، 23 سنة، مُعْتقل منذ خمسة أشهر، يُمْضي عقوبة من تسعة أشهر  بتهمة إلقاء الحجارة، بعد أن كانت مقيّدة ضده عقوبة مشروطة بسبب تهمة مشابهة كان قد أُدين بها. ذهبت جهاد لتنام في الساعة أل -11 ليلا لكنها استيقظت على مرأى ستة جنود من حرس الحدود وكلب في صالون بيتها. وهنا أيضا دخل جنود حرس الحدود من الباب الخلفي للبيت. لم يكن الباب مُقْفلاً.ومع القوّة رجلان مدنيّان. لم تسمع صوت الهيلوكبتر في الفضاء ولم تسمع ضجّة الجنود الذين اقتحموا بيت جارهم، طارق،  كان الصراخ هو ما أيقضها: "درويش، درويش" هذا الصراخ الذي انفجر في الخارج. سألها أحد المدَنْييَّن: لماذا تركتم الباب مفتوحا؟" فأجابته: إذا انصرفتم من البيت، سأقفله". 

    دخل رجال الشرطة غرفةَ الأولاد التي ينام بها ابنها وعمره 15 سنة وأخوه رامي، 21 سنة، وقد عاد مؤخرا إلى بيت والديه بعد انفصاله عن زوجته. سأل جنود حرس الحدود جهادَ مَنْ منهما الفتى، وطلبوا منها إيقاظه لأنهم سيأخذونه معهم. "في الأسبوع الماضي أوقفتموه"،  هذا ما قالته لهم فأجابوا: " لن  نأخذه اليوم إلى مركز الشرطة القريب من البريد، سنأخذه اليوم إلى غرفة التحقيق رقم 4  في المسكوبيّة". لقد أوقف ابنها في الأسبوع الماضي لساعات معدودة بتهمة إلقاء الحجارة ثم أُطْلِق سراحه. وقبل شهر أوقف بتهمة مشابهة وبقي موقوفا لمدّة خمسة أيّام. تقول أمّه إنه بعد إطلاق سراحه عانى لمدّة أسبوعين من الرعْب، لم يستطع النوم في سريره إنما كان ينام في سرير والديه، انطوى على نفسه وأكثر من النوم في ساعات النهار. استيقظ الآن على مرأى الشرطة والكلب. قال لأمه إنه مقتنع بأنه يحلم.

    لقد ساعدت جهاد ابنها  ليلبس ملابسه. طلب منها ماء فأحضرته له. نبح الكلب على الفتى. تقول إن ابنها لم يُبْدِ مشاعره، لم يخف أو يُذْهل، لكنها قلقة جدا على سلامته. تقول إن رجال الشرطة لم يُبْرزوا أمرا بتوقيفه، ولم يشرحوا  لماذا أخذوه. ولم تسأل أيضا. لقد قيّدوا يديه خلف ظهره وأخذوه. زوجها عثمان، 55 سنة. وقف في اليوم التالي ساعات طويلة في الشارع بالقرب من المسكوبيّة.

  وردت على صفحة الفيس بوك الخاص بالعيسوية أسماء أل - 51 موقوفا، أُطلِق سراح بعضهم في اليوم التالي وأحْضِر البعض ألآخر هذا الأسبوع لتمديد توقيفه. وحسب تقرير نشرته هذا الأسبوع منظمة بتسيلم ومركز الدفاع عن الفرد، تحت عنوان "غير محميين – توقيف فتيان من القدس الشرقيّة"، تنتهك السلطات حقوقَ مئات الفتيان الذين تعتقلهم سنويا من شرقي القدس.من بين أل- 60 شهادة التي جُمِعت لتحضير التقرير يظهر أن الفتيان يُأْخذون من أسرّتهم، ويُقيّدون بدون ضرورة لذلك، ويخضعون للتحقيق بدون محادثة مُسْبَقة مع محام وبدون وجود أهاليهم كما هو مطلوب، وبدون أن يُذكر لهم أن من حقهم عدم التكلّم وحتى بدون أن يُقال لهم بماذا  يُتّهمون. وإضافة إلى أنهم يُعْتَقلون في ظروف صعبة يُمدّد توقيفهم مرة وثانية، حتى بعد انتهاء التحقيق معهم.  يرى مُعِدّو التقرير في هذه الانتهاكات جزءا من سياسة عامّة هدفها تشجيع سكان القدس الشرقية على مغادرة مدينتهم.

   تقول جهاد إنها تريد أن يعرف الإسرائيليون ماذا جرى ببيتها في تلك الليلة. لم يحدث أيّ ضرر لبيتها. بينما حصل ضرر بسيط للمنزل في منحدر الشارع، منزل أميره درويش وبناتها. عندما وصلنا إلى هناك كانت نساء البيت منهمكات بغسل السجاجيد ونشرها في الشرفة لتجفّ. تضرّر باب غرفة الجدّة أميره، 72 سنة، والموجودة  حاليّا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بعد أن اقتحم جنود حرس الحدود الغرفة لتفتيشها، ولكن في الصباح كانت قد أصْلِحَتْ.كان السرير في غرفة الجدّة مقلوبا ومحتويات الخزانة منثورة على أرض الغرفة. وصلت القوات إلى هنا في الثامنة والنصف صباحا، تمهيدا لإنهاء "العمليّة 700". وحسب أقوال البنات في البيت، قال رجال الشرطة إنهم يفتّشون عن مخدّرات، وطلبوا أخاهن، محمد،  لكنه كان في العمل، يعمل محمد في الحفريّات في بيت شيمش، وفي اليوم التالي ذهب بنفسه للتحقيق في مركز الشرطة.

       نشرت شرطة لواء أورشليم أن الاعتقالات جرت في "إطار عملية 700"، وهي عملية واسعة قامت بها الشرطة لتعقّب واعتقال المُخلّين بالنظام، مع تنفيذ عام وتحسين جودة حياة سكّان الحيّ". وحسب ما نشرته الشرطة، جرت الاعتقالات" بمشاركة جهات من  البلدية عملت في المكان لإزالة أكوام النفايات، ومزعجي الأمن، وإزالة لافتات مُعلّقة بطريقة تُشكّل خطرا على المارة ، ومحو كتابات غرافيكيّة  وإصلاح الإنارة العامة" ويرفق إعلان الشرطة  الوارد في موقعها، بصور لعمال البلدية وهم يخطّطون أماكن مرور المشاة  في  العيسويّة.