[x] اغلاق
عصر اللعنـات الافتراضيّــة
14/12/2017 10:28

عصر اللعنـات الافتراضيّــة

بقلم: مارون سامي عزّام

احتفل العالم هذا العام، بمناسبة مرور عشر سنوات على إطلاق أوّل جهاز خليوي لمسي ذكي، وهو الآيفون، التابع لشركة أبِل الأمريكيّة، والذي صُنِّف تحت فئة "السمارت فون"، ومنذ ذلك الحين بدأ العصر الافتراضي يُحكِم سيطرته على البَشرية، حتّى بات يتحكّم بكل مجالات الحياة الخاصة أو العامة، من خلال التطبيقات المتنوّعة المضامين، رغم كل التّسهيلات التي قدّمتها، أنا سمّيتها الخانات الشخصيّة، لأنّنا جعلناها تتدخّل بأدَق خصوصياتنا، نخاف على هذا الحاوي الذّكي الذي حمّلناه هذه الحمولة الشخصية، التي تحتوي على صورٍ وفيديوهات من السّرقة بغمضة عين.

نركض بفرحٍ وراء التطوّرات الخليويّة الترفيهيّة المتنقّلة، ننتظر بشوق خروج هاتف ذكي جديد من رحِم أمٍّ تكنولوجيّة، همّها الوحيد رعاية مدخولها المادي المهول. نعمل المستحيل من أجل الحصول على تغطية خليوية أفضل، من أجل أن نتمتّع بحياةٍ رقميّة أفضل، تمنحنا إيّاها تقنيّة الجيل الرّابع، التي تَعَلّق بها الكبار والصغار، لئلاّ يفوتهم أي خبر عاجل من أي تطبيق إخباري أو تراسلي.

عصر التوتّر الاستشعاري يمُر عبر قنوات الهواتف الذكية، التي تزوّدنا على مدار السّاعة، بأي خبر هام أو غير هام، ولو أرّقتنا طوال النهار، أو شدّت أعصابنا، أو أخافتنا من خلال إشعاراتها الإخبارية، المهم أن نتظاهر أنّنا مشغولون افتراضيًّا "بقراءة الأخبار العاجلة"! أي أصبحنا كالشعب الإسرائيلي، لدينا شراهة لا توصف لاستهلاك أي وجبة إعلامية إخباريّة سياسية أو اجتماعيّة، المهم أن تكون موجودة على لائحة الأخبار السّاخنة... والتي يقدّمها لنا النّادل الخليوي اللعين!! الذي يخدِم روّاده في مقهاه الذّكي والرّاقي، وهذا جزء أساسي من اللعنات العصرية!!

تعتبر إسرائيل الدّولة الأكثر استخدامًا للهواتف الذكية عالميًا، التي أدخلتنا ليس فقط في عصر الجلوس، والمعاناة من آلامٍ في الرّقبة، لكثرة النّظر فيها، بل نشعُر ببرودة خليويّة جليدية، جعلتنا نفقد القدرة على الإحساس بالشخص الآخر الذي معنا داخل المنزل، أو الذي يزورنا، كما شلّت حرّكتنا الضروريّة داخل البيوت. كذلك الأمر الجيل الصاعد أُصيب بخمول شديد، يتجنّب جلب حاجاته بنفسه، حتّى ارتطمت عقلية الأهالي مع أبنائهم المتمرّدين، الذين لا يكترثون لنصائحهم، كل هذه التطوّرات التقنيّة سبّبت توتّرًا أسريًّا، وحلّت علينا لعنة عالميّة لا خلاص منها.

اللعنة الافتراضيّة الأكبر، والتي لا يمكن القضاء عليها، ولا بأي شكلٍ من الأشكال، جلبتها علينا الهواتف الذّكيّة، هي المواقع الإباحيّة المتنقلة، فمعظم أبناء جيل اليوم يحملون مثل هذه الهواتف، (الفتيات تحديدًا يحملنه بجيوبهن الخلفية!!) فيستطيعون استخدام تطبيق البحث المدمّج داخل هواتفهم، للوصول إلى هذه المواقع المشبوهة، يشاهدون الصّور أو مقاطع الفيديو الإباحية. هناك أشخاص مرضى نفسيًّا يستغلّون سذاجة بعض الفتيات، من خلال إرسال رسائل فيها إيحاءات جنسية عبر تطبيقات التراسل، لإغوائهنّ!!... ممّا يعزّز لعنة أكبر، وهي آفة التحرّش الجنسي.

اللعنة الأشد وقعًا على نفسية النّاس، وتتكرّر كثيرًا، هو الخوف من نسيان الهاتف في مكان ما، وما يُسمّى علميًّا، Nomophobia، أيNo mobile phone phobia الخوف من فقدان الهاتف، هنا ترتفع حالة التأهّب لدرجة غير مسبوقة، فيشعر الشخص أنه في حالة طوارئ شخصيّة أينما وُجِد، يتوتّر رغمًا عنه. لقد صار الهاتف الذّكي عبئًا نفسيًّا على النّاس، يعيشون في حالة ترقّب دائمة، تتصاعد أكثر كلّما قصدوا مكانًا ما، فيتحسّسون هاتفهم الملعون، ليطمئنّوا أنه في دائرة حرصهم، هكذا أصبح هذا العصر الافتراضي لعنة مستديمة... لا تستطيع أي بصّارة رقابية، أن تعمل حجابًا، للخلاص منها، شوّشت طريقة تفكيرنا... حطّمت أسوار ذاكرتنا، لأنها لعنة ذكية وأزليّة.

بعض الأشخاص الذين أجّروا أسطح بيوتهم، لشركات الهواتف، كي ينصبوا عليها الهوائيّات الخليوية، مقابل أجرٍ مُغرٍ... يجهلون أنهم قد أطلقوا على حياتهم وحياة أفراد عائلاتهم رصاص الموت، من خلال مسدس سرطاني كاتم للصّوت، لا أحد يسمعه أو يشعُر به إلاّ القدر المحتوم، أسمّيه، انتحار بطيء، كأن أصحاب هذه البيوت، عُملاء لتلك الشّركات، حتّى باتت هذه الهوائيّات تُشكّل لعنةً أثيريّةً ومصدرًا للأمراض السّرطانيّة.

نحن نعيش حياتنا على برميل متفجّرات اجتماعي كبير قابل للانفجار في أي لحظة، سيشتعل فتيله بسرعة، نتيجة الأحداث اليوميّة المؤلمة المنتشرة حولنا، التي تنقلها لنا الهواتف الذّكيّة في كل زمان ومكان، وخاصّة في رحلات الاستجمام العائلية... ولا يرتاح بال الأهالي، إلاّ إذا كانوا على تواصل دائم مع أخبار بلدهم وأبنائهم، لأن هذه الهواتف بلورت حياتهم، اندمجت تلقائيًّا في سلوكهم الاجتماعي، ليظلّوا تحت تأثير هذه اللعنات... ويصعب عليهم أن يتوقّعوا عواقبها، فإلى أين ستوصلهم أكثر من ذلك هذه اللعنات الافتراضيّة؟!!