[x] اغلاق
جديد في علاج السكري من نوع 2
19/11/2009 16:25

 

 

البروفسور نعيم شحادة

 

وفقا للتقارير الصادرة عن المنظمات الصحية الدولية، يشهد العالم ازديادا مثيرا للقلق في اتساع ظاهرة السمنة والسكري من نوع 2. علاوة على ذلك، كان السكري من نوع 2 يعتبر في الماضي غير البعيد مرضا يصيب الأشخاص من فئة عمرية أكبر، لا سيما مَن هم في سن الأربعين ونيّف، لكننا نلاحظ في السنوات الأخيرة أن تواتر المرض أصبح يتسع بين البالغين وجيل الشباب والأطفال وبوتيرة مقلقة. يعود السبب لذلك إلى الارتفاع بعدد الأطفال والشبائب ذوي الوزن الزائد أو المصابين بالسمنة المفرطة، فالوزن الزائد يلعب دورا أساسيا في تطور السكري من نوع 2.

يمكن منع حدوث المرض بواسطة إحداث تغيير في التغذية وزيادة النشاط الرياضي. ليس هذا فحسب، فإن بإمكان الأشخاص الذين شُخّصوا كمرضى بالسكري أن يستفيدوا كثيرا من تخفيف وزنهم، لأن ذلك يسهّل عليهم التحكّم بالمرض وتقليص مضاعفاته.

 

يعتبر السكري مرضا متعدد الأجهزة يتطور بالتدريج ملحقا الضرر بجودة حياة المريض، ولا يمكن معالجته. يوجد في العالم نحو 250 مليون إنسان بالغ مريض بالسكري، منهم 500 ألف إسرائيلي. قرابة 90% من المرضى مصابون بالسكري من نوع 2، وهو حالة تواكبها مقاومةٌ للإنسولين ناجمةٌ عن الوزن الزائد، وحدوث انخفاض في قدرة خلايا بيتا الموجودة في البانكرياس على إفراز الإنسولين بالكميات اللازمة. نتيجة النقص في الإنسولين ترتفع مستويات السكر بالدم، ما يعرض للتسمم كافة الأجهزة التي يحويها الجسم.

أما السكري من نوع 1 (الذي يدعى كذلك سكري الشباب) فينعكس هو الآخر في ارتفاع مستويات السكر بالدم، لكن الارتفاع الذي يحدث في قيم السكر أكثر حدة. تتعدد أسباب الإصابة بالمرض، وهو يؤول إلى حدوث نقص تام في إنتاج الإنسولين، ما يقتضي الخضوع لحقن يومي لإنسولين خارجي كسبيل للبقاء على قيد الحياة.

 

لا يملك الطب بعدُ صورة شاملة وواضحة عن أسباب الإصابة بداء السكري، مع ذلك، فهي تعود إلى السمنة المفرطة، أو لأسباب وراثية تلحق الضرر بأداء خلايا بيتا في البانكرياس (المسؤولة عن إنتاج وإفراز الإنسولين) وتؤدي إلى حدوث مقاومة للإنسولين، فضلا عن نظام الحياة الغربي الذي يمتاز بكثرة تناول الطعام المعالَج وبالنقص في النشاط الرياضي. يجب التنويه إلى أن مرض السكري يتسبب مع مرور الزمن في تدهور الوضع الصحي نتيجة التراجع المتدرِّج في أداء أجهزة الجسم، وحدوث انخفاض في عدد خلايا بيتا، وارتفاع سام في مستويات السكر بالدم.

لقد أثبتت المعلومات التي تم جمعها من مئات آلاف مرضى السكري، أن تحسين موازنة مستويات السكر بالدم، الذي ينعكس في انخفاض القيم المخبرية للسكر بالدم وللهيموچلوبين السكري (HbA1c) يقلص خطر الإصابة بالمضاعفات طويلة الأجل الناجمة عن السكري، كأمراض القلب والأوعية الدموية، والفشل الكلوي، والعجز الجنسي، والعمى، وبتر الأعضاء. كما وثبت أن تلقي العلاج في المراحل المبكرة للمرض، من شأنه إحداث نتائج صحية أفضل بكثير ولأجل طويل. ويدعى هذا بـ"شباك الفرص" لعلاج مرض السكري.

 

يؤثر الوزن الزائد تأثيرا بالغا على علاج السكري. أما السمنة المفرطة بين الأشخاص المصابين بالسكري من نوع 2 فلها تأثير مباشر على تفاقم خطر الإصابة بالأمراض القلبية والوفاة. يعاني معظم مرضى السكري من نوع 2 من زيادة في الوزن أو من سمنة مفرطة، ما يزيد مقاومتهم للإنسولين، ويعيق محاولات خفض مستويات السكر بالدم وتقليص عوامل الخطر المرافقة.

 

يعرف مرضى السكري والأطباء أن الغاية الرئيسية التي يسعى علاج السكري لتحقيقها تكمن في بلوغ موازنة لمستويات السكر بالدم وخفض عوامل الخطر المرافقة (دهنيات الدم، ضغط الدم، وسواها). إن اتّباع نظام حياة صحي، وتلقي الأدوية بشكل سليم وملائم، والحفاظ على مستويات السكر بالدم، من شأنها منع المضاعفات العديدة المصاحبة للمرض والحد من تفاقمه. من جهة ثانية، يزيد العلاج المعتمد على الأدوية القائمة من خطر السمنة المفرطة وحدوث انخفاض في سكر الدم (Hypoglycemia). وسط ذاك، نشهد في الآونة الأخيرة ظهور اكتشافات علمية حديثة، وتطويرا لأدوية جديدة لعلاج داء السكري، وعلى أثر ذلك تغييرا في أنماط علاج المرض بالأدوية. وأكثر ما يستحوذ على اهتمام العلماء في هذا السياق اكتشاف هرمون GLP-1 الذي يحويه الجسم بشكل طبيعي.

 

ينتمي هرمون GLP-1 لعائلة المفرزات الصماوية (Incretins). تفرزه الأمعاء بشكل طبيعي كرد على وجود الغذاء فيها (بعد تناول الطعام). يعمل هذا الهرمون في عدد من الأجهزة محدثًا موازنة في السكر الموجود بالدم، وإبطاءً لوتيرة استيعاب الغذاء وتقليصًا للإحساس بالجوع، وهو يخفض الوزن والدهنيات وضغط الدم الزائد، التي تعتبر كلها عوامل خطر معروفة من شأنها التسبب بالأمراض القلبية والأوعية الدموية.

GLP-1 هرمون طبيعي تنتجه الأمعاء وتفرزه أثناء وجود الطعام فيها وقبل أن يمتصه الدم. يساعد GLP-1 في ضبط عملية التمثيل الغذائي للچلوكوز (السكر). يلائم هرمون GLP-1، وفقا لمستويات السكر بالدم، إفراز الإنسولين ويوقف الإطلاق الفائض للسكر من الكبد. إضافة على ذلك، يساعد GLP-1 في ضبط هضم الطعام واستيعابه من خلال إبطاء عملية إفراغ المعدة ومنح الإنسان إحساسًا بالشبع.

لم يتم اعتماد هذا الهرمون الطبيعي حتى وقت غير بعيد لعلاج مرضى السكري نظرا لانحلاله السريع في الدم، ما يقصّر كثيرا من طول عمره بين دقيقة ودقيقتين. أما في الوقت الراهن، وبفضل تطوير التقنيات الجديدة، يجري إنتاج عقاقير تحاكي هرمون GLP-1 وتمتاز بمقاومة انحلالها وبتأثيرها طويل الأمد.

 

تشير البحوث التي أجريت على آلاف المرضى إلى أن من شأن التطورات الجديدة التي طرأت على العلاج بهرمون GLP-1 أن تنعكس إيجابيًا على الكثير من الأجهزة التي تتعرض للضرر لدى المصابين بمرض السكري من نوع 2. كذلك يلاحَظ تأثير GLP-1 واسع النطاق على موازنة السكر، وحدوث انخفاض ملموس بالوزن، وتقليص عوامل خطر الإصابة بالأمراض القلبية والأوعية الدموية.

 

ثمة نتيجة إضافية للعلاج باستخدام هرمون GLP-1 تتمثل في حماية خلايا بيتا في البانكرياس. يشكل هذا التأثير الإيجابي عنصرا هاما في الجهود المبذولة لخفض مستوى التدهور في مرض السكري. جدير بالذكر أن خلايا بيتا في البانكرياس مسؤولة عن إنتاج وإفراز الإنسولين، ويتطلب الحفاظ على أدائها إحداث تحسين في عملية إفراز الإنسولين، وبلوغ موازنة في مستويات السكر بالدم، وإبطاء التدهور في مرض السكري.

 

أثبتت البحوث أن مرضى السكري من نوع 2 يحتاجون إلى كمية أكبر من GLP-1، مقارنة بالأشخاص المعافين، ليحققوا مستوى من التأثير المشابه لإفراز الإنسولين لدى الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة. من هنا يمكننا إدراك الأهمية البالغة الكامنة في استخدام الهرمون نفسه لعلاج مرضى السكري الذين يعانون من نقص نسبي في كميته أو أدائه.

 

نلخص بالقول إن العلاج الجديد القائم على هرمونات Incretins عقاقير GLP-1 بات يحدث تغييرا في أنماط علاج مرض السكري بالأدوية، ويتيح علاج الداء في مرحلة مبكرة نسبيا، واستغلال "شباك الفرص" المفتوح في بداية المرض.

تكمن الميزة الأساسية لهذه الأدوية في تخفيف حدة الإحساس بالجوع، وعدم تسببها في حدوث زيادة بالوزن أو انخفاض في سكر الدم، وهي عومل تشكل عائقا جديا في وجه بلوغ موازنة قصوى بالتمثيل الغذائي. وقد أكدت البحوث السريرية حدوث هبوط ملموس في مستوى الهيموچلوبين السكري، وهبوط سريري بالغ في الوزن ودهنيات الدم وضغط الدم، وقيام تهديد طفيف لحدوث انخفاض في سكر الدم. إن من شأن اللجوء إلى علاج مبكر أكثر للمرض إعطاء فرصة أكبر لإبطاء عملية التدهور وتفادي المضاعفات المرافقة للسكري وقتا طويلا.

 

لا شك أن إضافة عقاقير تحاكي GLP1 إلى سلة العلاجات تشكل إمكانية بمنتهى الجاذبية كإضافة لدواء مِتفورمين الذي يعطى كدواء أولي لعلاج مرضى السكري، لا سيما إذا كان ثمة ضرورة لخفض الوزن وتقليص التعرض لخطر انخفاض سكر الدم.