[x] اغلاق
جـادَّة الاحتفالات الميلاديّـة
19/12/2017 10:38

جـادَّة الاحتفالات الميلاديّـة

بقلم: مارون سامي عزّام

اقترب موسم عيد الميلاد المميّز، وتسارعت وتيرة الشبّان أكثر، لينهوا تحضيراتهم، من خلال إقامة الورشات الميلاديّة الخاصّة بهذا الموسم الرّوحي، في جادَّة الاحتفالات الميلاديّة، لاستقبال الجموع الغفيرة من كافّة المدن والقرى المجاورة، فيشاركون من أجل تعزيز المحبّة بين أبناء المجتمع الواحد، لتهرُب النّاس من وهج أتون العنف، الذي يلسعهم يوميًّا بأخباره الحارقة!!

أنا أعلَم أنها ليست ورشات ميلاديّة، ولكنّي أطلقت عليها هذا الاسم، لتعدُّد الفعّاليّات الميلاديّة العامرة بالتّزاحم التحضيري، من أجل إطلاقها في موعدها المحدّد بدون أي معوّقات. في هذا الشّهر، تُفتَتَح إضاءة شجرة الميلاد في كل المدن والقرى العربيّة المزيّنة بأنوار الهداية، كي تعمي أنّظار الطّائفيّة المرعبة... لقد أصبحت إضاءة الشّجرة تقليدًا مجتمعيًّا، ولم تعُد حكرًا على الغرب، يلتف حولها الفرح من كل الجهات، وأصوات التّراتيل الدينيّة والأغاني الميلاديّة تعلو من حناجر الجمهور، تصدح بالدّعاء من أجل السّلام.

هذه البنية الأخويَّة المتينة السائدة بين الشّبان المسيحي... ولّدت أيضًا ورشة ترنيم جميلة، أو أمسية روحيّة راقية، تقيمها مجموعة من النّاشطين المتحمّسين، من أجل دفع فئة ظلامية في هذا المجتمع، لتَسمع وتَرى أهمية ميلاد الوفاق، الذي يدعو له طفل المغارة، ولقد عُرِضَت عدّة مقاطع من هذه الأمسيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي أخذت دورًا أساسيًّا في نَشرها للعالم، لأن الديانة المسيحيّة ترأف بعبادها وعبيدها، صراطها التآخي، تنبذ التّعصّب والتكفير الضّلاليّين، تدعو إلى احترام عقيدة الآخَر.

الحملات الخيريّة التي يبادر إليها الكشّاف المسيحي في شفاعمرو والمجتمع، تُعَد جزءًا أساسيًّا من ورشة الميلاد، فهي تُقام سنويًّا، لدعم العائلات المحتاجة التي تعيش في مخيّمات العوز والفقر، لأنها لا تجد من يُفَرّحها في هذا الميلاد، سوى المعونات الغذائيّة الأساسيّة التي يقدّمها القائمون على هذه الحملات، بدعمٍ من المؤسّسات الاجتماعيّة، وأصحاب النّخوة الذين لم يبخلوا أبدًا بسخائهم المادي والمعنوي، في سبيل دمج أبناء هذه الطبقة المسحوقة بأجواء الميلاد التي تعِم العالم، كي لا يشعروا بغُربة الأحزان... كي لا يعيشوا في معزلٍ عن بيئة المسرّات.

من المعروف أن ورشة "الكريسماس ماركت"، تقام في معظم المدن العربيّة، لكن في شفاعمرو لها خاصيّة تعبيريّة تاريخيّة، ومجسَّم جميل، وتخليد لذكرى السّوق القديم، بعد أن باءت محاولات إعادة الحياة إليه بالفشل، لأن بلدية شفاعمرو تخلّت عن ترميم عراقته. إن هذه الورشة الميلاديّة الكُبرى، استغرقت تحضيرًا جديًّا، بإمكانيّات جبّارة، أحضر القيّمون عليها قوى حفظ الأمن منعًا للإخلال بالنّظام.

السّوق الميلادي هو عبارة عن بسطات صغيرة لبيع المأكولات الشّعبية والغربيّة، أو الألعاب والصناعات اليدويّة، كان هناك عروضًا غنائيّة، مخصّصة للميلاد والأطفال. لقد زار أرجاء هذا السّوق جميع النّاس، سواء من داخل شفاعمرو وخارجها... تجوّلوا سيرًا على الأقدام... تمتَّعوا بأجوائه الرّائعة، التي اجتمعت تحت سماء الترفيه، فسطعت ليالي السّوق بنجوم الود والتعاضُد.

تزاحم الوافدون لإنجاح ورشة السّوق الميلادي، لأنها عبّرت عن إيمانهم بميلاد السّماحة. غطّت السعادة أهل البلد بوشاح الأُلفة، واستعادوا ولو جزءًا صغيرًا من حنينهم إلى أيّام السّوق القديم... فكان هذا المشهد في غاية الرّوعة، لأنه يجدّد الثّقة سنويًّا في مغارة العيش المشترك، فنحن بأمسِّ الحاجة لمثل هذه الورشات في هذه الأيّام المباركَة.

هذه الورشات الميلادية التي تقام سنويًّا في جادَّة الاحتفالات الميلاديّة، هي دعوة روحيّة صادقة أيضًا من كل رجال الدّين المسيحيين، الذين ساهموا مساهمةً كبيرة لإنجاز هذا المشروع الميلادي، الذي خرَج إلى النّور بفضل دعمهم المعنوي، ليؤكّدوا أن الميلاد هو الرّاعي الأول للإنسانيّة، والحاضن الأساسي للتّقريب بين القلوب، ليصل الجميع دفء التّسامح الاجتماعي من موقد الأعمال الجماعيّة المشتعلة من جِمار العطاء، الإخلاص والوحدة، كما أنارت درب الجادَّة بأنوار التّوافق والتكاتف، بغية إسعاد الآخرين.

هناك من حاول إطفاء أنوار الاحتفالات الميلاديّة الجماهيريّة، تضامنًا مع القُدس، لكنّه لم ينجح في ذلك، ويجب أن نتذكّر أن مدينة بيت لحم، رغم كل ما مرّ عليها من حصار وتضييق عسكريين، إلاّ أنها حافظت على تقاليد الاحتفالات الدينيّة. الشّعبيّة الكبيرة التي تحظى بها هذه الورشات الميلاديّة في شفاعمرو وباقي البلاد، تدل على مساندة جميع الطّوائف لشجرة العائلة الواحدة، لأن رونق الميلاد لا يكتمل إلاّ باحترام دور الآخرين في إقامة احتفالاته، حسب مفهومه العقائدي، حتّى نوسّع حدود جادَّة الاحتفالات الميلاديّة.