[x] اغلاق
محمد تميمي يتشافى من إصابته برصاصة في راسه، وحتى الآن لا يعرف عن اعتقال ابنة عمّته وأنها قد أصبحت رمزا
5/1/2018 18:25

محمد تميمي يتشافى من إصابته برصاصة في راسه، وحتى الآن لا يعرف عن اعتقال ابنة عمّته وأنها قد أصبحت رمزا

جدعون ليفي و أليكس ليبك      ترجمة: أمين خير الدين

    الجانب الأيسر من وجهه مشوّه، متورّم، فيه نُدُب، دم متخثّر بجانب أنفه ودرزات خياطة  في وجهه؛ إحدى عينيه مُغمّضة، وخط درزات مُخاطة  يمتد على طول جمجمته.وجه فتى تحول إلى وجه مشوّه بالنُدُب. أُزيل قسم من عظام جمجمته وسيُعاد فقط بعد نصف سنة.

    عمره 15 سنة وهو مشوه جرّاء إطلاق النار عليه وأسير مُحرّر. هكذا هي الحياة في قرية المواجهة، قرية النبي صالح. بعد ساعة من إصابته برأسه من قِبَل جيش الدفاع الإسرائيلي، حاولت ابنة عمّته، المشهورة أكثر منه، عهد التميمي، أن تطرد بالقوّة، جنديين اقتحما ساحة بيتها.

   بعض عشرات الأمتار تفصل بين المكان الذي أُطْلِقت النار منه على محمد وبين بيت عهد، وفقط ساعة زمنيّة واحدة بين الحادثين. يقول أفراد عائلة عهد إنها انفجرت بالبكاء عندما سمعت أن ابن خالها أُصيب برصاصة برأسه وأن حالته خطيرة. من شباك بيتها في آخر قرية النبي صالح، يمكن رؤية السور الحجري، السور الذي تسلق عليه محمد ليرى إن كان الجنود لا يزالون في البيت، عندها أطلقوا رصاصة واحدة على راسه  عن بعد  عدة أمتار، فسقط وهو ينزف، عن علوّ حوالي ثلاثة أمتار، الآن عهد في السجن ومحمد  يتشافى من إصابته في رأسه، لا يعرف شيئا عن اعتقالها – لأن أفراد العائلة لم يقولوا له بسبب حالته.

    التقينا به في بيت عمّه، الملاصق لبيته. يتكلم بصوت منخفض، أحيانا يداعب النُدُب في رأسه. طالب الصفّ العاشر في مدرسة القرية، نفس المدرسة التي تتعلم بها عهد، هي أعلى منه بصف واحد. والده فاضل يعمل سائق سيّارة أجرة، أمّه، امتثال ربّة بيت.

    أمضى في السنة الماضية ثلاثة أشهر في السجن الإسرائيلي. في أبريل 2017. الساعة الثانية ليلا، اقتحم جنود بيتهم، دخلوا غرفة الأولاد، جرّوه من سريره وقيّدوه بيديه. طلب أن يلبس ملابسه قبل أن يأخذوه إلى المُعْتَقَل، رفضوا في البداية، يقول الآن، لكنهم وافقوا على طلبه أخيرا. 

    اتّهم بإلقاء حجارة على جيب عسكري بالقرب من محطة البنزين عند مدخل القرية.  خضع للتحقيق في معسكر في عصيون، بغياب والديه، وبدون محام كما يقول القانون. ولم يقل له أحد عن حقّه بالصمت عند التحقيق معه.  أراد المحققون معه أن يوقّع على استمارة باللغة العبرية فرفض. خفتَ في التحقيق؟ يقول إنه لم يخف.  بعد ثلاثة اشهر من التحقيق والمحاكمة، حُكِم عليه بعد صفقة مرافعة بالحبس ثلاثة أشهر وبغرامة مقدارها 300 شيكل. خلال هذه المدّة لم يُسمح لوالديه بزيارته ولو لمرة واحدة، فتى ابن 14 سنة. رأوه فقط في قاعة المحكمة العسكرية. وعن بُعْد،  بدون إمكانية الكلام معه أو سؤاله. روتين.

     أُطْلِق سراحه  في 19 يوليو/ تموز. ما هو أصعب شيء كان في المُعْتقَل؟  يقول كانت الليالي صعبة-  لن يغمض له جفن لخوفه على عائلته. في النبي صالح تقتحم قوّات جيش الدفاع الإسرائيلي وحرس الحدود كل يوم وكل ليلة تقريبا ولذلك خاف على عائلته وعلى أخيه. أخوه  شارف، 24 سنة، وأيضا أبوه اعتُقِلا كثر من مرة وجُرِحا أيضا. وصل إلى بيتهم في سنة 2015 عدّة أشخاص وعرّفوا أنفسهم على أنهم من شركة الكهرباء. واتضح فيما بعد أنهم مستعربون. حبسوا كل أفراد العائلة في غرفة واحدة، لكن محمد استطاع أن يهرب إلى بيت عمّه، حيث نجلس الآن، وأخبر عمّه أن أغرابا قد اقتحموا بيته. ابن عمّه، هو أيضا محمد تميمي يقول إنهم في البدايىة لم يعرفوا مَنْ هم المقتحمون. جاؤا ليعتقلوا شارف، ولم يكن شارف في البيت. انتظره الجنود. حُكِم على شارف بالسجن لمدة شهرين. أيضا موقف اختطاف أخيه هو جزء من ذكريات طفولة محمد. بعد إطلاق سراح محمد عاد ليشارك في المظاهرات الدائمة، "لأنهم أخذوا أرضنا". سُلِبت مُعظم أراضي قرية النبي صالح من اجل بناء مستوطنة حلميش الواقعة على الجانب الآخر من الشارع، أو بسبب عدم إمكانية الوصول إليها بسبب المستوطنة.

داخل حدود الفيلا

     في الأشهر الثلاثة الأخيرة زاد موقف جيش الدفاع الإسرائيلي وحرس الحدود تعنتا وقسوة. إياد حدّاد، محقق بتسيلم، يقول إنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة اقتحمت قوّات جيش الدفاع الإسرائيلي وحرس الحدود القرية حوالي 80 - 70 مرة. أحيانا يُغْلِق الجنود البوابة الصفراء التي تحصر القرية ولا تسمح لأحد بالخروج منها والوصول إلى الشارع. وعلى الغالب يقومون بذلك في ساعات الصباح الباكر، موعد خروج العمال إلى أعمالهم، والمرضى إلى علاجهم والطلاب إلى مدارسهم، سكان القرية ينسبون ذلك إلى قائد المنطقة الجديد.

   وفي يوم الجمعة 15 ديسمبر، بعد إعلان دونالد ترامب عن القدس، لم يكن يوما هادئا في قرية النبي صالح. كما في كل يوم جمعة من المفروض أن تجري به مسيرة أسبوعيّة. يقول محمد تميمي إنه خرج  في الصباح مع مجموعة من أصدقائه لمراقبة القرية ولرؤية ما إذا كان ثمّة جنود يختبئون في كمائن، استعداد للمسيرة، المسيرة التي تتجه دائما باتجاه  برج الحراسة التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي عند مدخل القرية. كانوا خمسة – ستة فتيان. بعد  ساعة رأوا حوالي اثني عشر جنديا  قادمين  من الجنوب وقد اختبأوا  في كمين. صرخ محمد وأصدقاؤه  عليهم: "رأيناكم". أطلق الجنود عليهم قنابل مسيّلة للدموع. بينما كانت المسيرة تقترب.

     تمركزت القوّة العسكرية داخل حدود "الفيلا" --  مبنى من الحجر الفاخر في آخر قرية النبي صالح، محاط بسور، بناه مغترب فلسطيني يعيش في إسبانيا. كان من المفروض أن يُقام مكانها مستوصف للطب المكمّل، لكن الافتتاح جُمِّد بسبب الأوضاع. أحيطت الفيلا  ومتخمها بعشرات من سكان القرية، وهم يعرفون أن الجنود يكمنون بها.

      تسلّق محمد تميمي سور الفيلا. أراد أن يرى إن كان الجنود لا يزالون بالداخل، بعد أن أنتشرت إشاعة بمغادرة القوّة.  في اللحظة التي بان فيها رأسه من وراء السور، أطلق الجنود رصاصة معدنية مُكسوّة بالمطاط عن بعد عِدّة أمتار على رأسه. يقول محمد تميمي رأى الجندي وهو يصوّب بندقيّته نحوه، وغير ذلك لا يتذكر.

     سقط عن السور فهرع الفتيان نحوه. كان تميمي فاقد الوعي عندما حملوه إلى السيّارة الخصوصية التي نقلته إلى المستوصف في بيت ريما. ابن عمّه الذي كان معه، يروي أنهم عالجوه في المستوصف واقترحوا نقله إلى المستوصف في سلفيت. رفض ابن عمه بسبب خطورة حالته. وحذّر سائق سيارة الإسعاف الفلسطينيّة من أنهم إذا مروا بالحاجز، سيقوم الجنود باعتقال الفتى الجريح.

   عندما وصلوا الحاجز عند مدخل قرية النبي صالح، أمر الجنود سيارة الإسعاف بالتوقّف. يقول ابن عمه التميمي إن الجنود كانوا عدوانيين جدا،  وصوّبوا سلاحهم نحوه. رأوا حالة الفتى الجريح، قال لهم ابن عمّه: "لديكم 30 ثانية لتقرروا – أو أنكم تأخذونه حالا إلى مستشفى إسرائيلي، أو تدعونا نمرّ". وحسب أقوال ابن عمه التميمي، كانت سيارة إسعاف عسكرية تقف  بالقرب من الحاجز. قام جندي بالاستشارة بواسطة جهاز اللاسلكي ثمّ أمر سيارة الإسعاف الفلسطينيّة بالمرور باتجاه رام الله، ولم يوافق بنقله للعلاج الطبي في إسرائيل. "هيّا، هيّا" زجر الجندي، بينما كان التميمي يحاول إقناعه لينقل ابن عمّه لمستشفًى إسرائيلي.

خضع للعمليّة طول الليل

    انطلقت سيارة الإسعاف باتجاه المستشفى الخاص الجديد الاستشاري في رام الله.والدا محمد اللذان وصلا مذهولين إلى الحاجز عند مدخل  قريتهم، أعادهم الجنود بالتهديد بالبنادق، حتى بعد أن شرحا لهم ان ابنهما أُصيب إصابة خطيرة. واضطرا إلى السفر بطريق جانبي إلى المستشفى.

   تبدو حالة التميمي خطيرة. يقول ابن عمه وأيضا أبوه إنّهما كانا مُقتنعَيْن من أنه لن يعيش. استدعى الأطباءُ أطبّاءً  اختصاصيين وقد قرروا إجراء عمليّة له. لم يستطع أحد معرفة الضرر الدماغي الذي لحق به. الاستغاثة بواسطة الفيسبوك للتبرع بالدم من أجله جاءت بالكثيرين إلى المستشفى. استغرقت العملية ستّ ساعات، طيلة الليلة. صوره وهو فاقد الوعي في المستشفى، موصولا بالنباريج الطبيّة، انتشرت في اليوم التالي في كل مواقع التواصل الاجتماعي. بعد مرور يوم بدأ بالانتعاش والتعرف على مَن حوله. كلهم يقول إنها أعجوبة. عاد إلى بيته بعد مرور أسبوع، كما هو معروف أنه لا يوجد عنده خلل حركي أو خلل في الوعي.

    قال الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي لجريدة "هآرتس" إنه في نفس اليوم "بدأ إخلال بالنظام تخلله عنف عندما قام حوالي – 200 فلسطيني بإحراق العجلات وإلقاء الحجارة باتجاه قوّات جيش الدفاع الإسرائيلي بالقرب من قرية النبي صالح. وقد ردّت القوّات بالوسائل لتفريق المظاهرات من أجل تفريق التجمهر وقال أيضا إنه "معلوم لنا ادّعاء مديريّة التنسيق والارتباط عن فلسطيني جريح نُقِل لتلقي العلاج الطبّي بالقرية".

    استلقى  تميمي الآن  في حظن أبيه، وقد عاد لتوّه من العمل. وقد غاص بغفوة بسرعة. البيت المجاور على التلّة، بيت عهد التميمي، خالٍ من أيّ إنسان، عهد وأمّها مُعْتَقَلتان؛ الأب، باسم، معهما في المحكمة،  ليشدّ من أزرهما عند تلاوة قرار الحكم القاسي ضدّهما.