[x] اغلاق
صفعة ناعمة على جناح الغطرسة
12/2/2018 8:39

صفعة ناعمة على جناح الغطرسة

جدعون ليفي ترجمة: أمين خير الدين

     ربما لم تبلغ الغطرسة الإسرائيلية نهايتها، لكنها من المؤكد أنها تصدّعت. فجأة اتضح، أن إسرائيل ليست وحدها في سماء الشرق الأوسط.، تبيّن فجأة، أن لقوّتها العسكرية حدودا. ربّ ضارة نافعة وربّما تستوعب إسرائيل الحقيقة، لا يمكنها أن تسيطر ولا يمكنها أن تعيش إلى الأبد على حدّ السيف، وحتى لا تستطيع أن تعتمد إلى الأبد على طائراتها المتطوّرة. وربما مع الطائرة أف – 16 التي أُسْقِطَتْ، أُسقطت القاعدة التي تعتمدها وهي أن كلّ شيء  يمكن أن يحلّ بالقوّة،  ويجب حلّه بالقوّة، أوّلاً القوّة، دائما القوّة، فقط القوّة.

      عشرات السنين من التفوّق الجوي، واحيانا إنفراد جوي كما في سماء غزّة ولبنان، أدى إلى أن تتصرّف إسرائيل وكأنها المسيطرة على سماء الشرق الأوسط -  كأنها هي الوحيدة، وليس هناك آخرون، وصلت أمس هذه الفرضية إلى آخرها. إسرائيل ليست الوحيدة في الجو والثمن مؤلم. كان الفاصل الكوميدي عندما ادّعت إسرائيل، أن الطائرة الإيرانية المسيّرة اخترقت فضاءها الجوي. هي مسموح لها اختراق أيّة سيادة، أن تحلّق في سماء لبنان، أن تقصف في سوريا، في السودان وطبعا في غزة عديمة القدرة – وفقط طائرة إيرانية مسيرة هي التي اخترقت سيادتها.

  لم يكن هناك ما هو مُتَوَقّع أكثر من إسقاط الطائرة أمس. رغم كل محاولات التمويه،  "سقطت" الطائرة وتلقّت إسرائيل صفعة ناعمة على جناحها. بعد عشرات الغارات الناجحة على سوريا، كان واضحا أنه في أحد الأيام سيحدث هذا. طائرة  إسرائيلية قادرة على كل شيء تُسْقط. لم يفكر أحد ماذا سيحدث بعد ذلك وإلى ماذا سيؤدي ذلك. سَكْرَة النجاح. زادت إسرائيل من تكرار غاراتها، وظنت أنها بين الغارة والغارة تزداد قوّة. لم يفتح أحد فمه، لم يقل أحد: قف.حتى الآن لم تولد الغارة الني لم تحظَ هنا بالتأييد التام. نقصف؟ لا شيء أفضل من ذلك. سوريا  تنزف، ما الأسوأ من ذلك.     

   لا أحد يعرف إن كان الواقع يلزِم بكل الغارات، وإن كانت فوائدها أكثر من مضارها. الكلّ سكت أو صفق. لهذا الغارات مضار وثمن متراكمَيْن. أحيانا هذا يوجِّه العدوّ، وأحيانا يولّد رغبة بالانتقام. وعندما كان المحللون الإسرائيليون يقولون على مدى شهور، أنه ليس ثمة مصلحة للطرفَيْن بالحرب – ويجب تجهيز الملاجئ. وهذا ما يقولونه دائما قبل وقوع كل حرب.

  ينبغي ألاّ نقلل من الخطر الحقيقي الناجم عن التسلّح الإيراني بالقرب من الحدود. هذا خطير ومخيف. إن أطماع التوسع الإيراني يجب أن تخيفنا. لكن ليس باستطاعتنا حلّ كلّ شيء، ومن البديهي أن الحلّ ليس بالقصف. يجب الاعتراف بذلك. في إسرائيل مع جيش المحللين الذي يتقن تلاوة ما يُمْلى عليه، موضوع كموضوع القصف في سوريا لم يُطرح أبدا للنقاش. وليس هناك في إسرائيل أيضا معارضة ذات دلالة لشيء: أيضا أمس غرّد يسار- المركز بالهتافات والتشجيع والدعم. كعادته بعد كلّ قصف وقبل جل حرب.

    كذلك سياسة  إسرائيال بالنسبة لإيران لم تُطْرح أبدا للبحث. دولة الجيش والسيف دائما ضدّ  كل اتفاق ومع كل حرب. توجد معارضة في إسرائيل فقط ضدّ الاتفاقات. بالنسبة لرئيس الحكومة واليمين الحاكم كل اتفاقية  هي اتفاقية ميونخ [معاهدة ميونخ أو اتفاقية ميونخ  كانت بين ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا سنة 1938 كانت لصالح المانيا النازية – المترجم]. قِلّة عارضت حملة المعارضة التي قادها نتنياهو  ضدّا لاتفاق النووي مع إيران. ومن غير المؤكد إن استفادت إسرائيل من تلك الحملة. تشرتشل الإسرائيلي أوصلها إلى حافة الهاوية. من الصعب معرفة ماذا كان سيحدث لو أن إسرائيل أيدت الاتفاق. لكن الواقع الحقيقي الآن أنها تواجه خطر الحرب مع إيران. ولن يكون أسوأ من هذا الواقع. وهكذا تجبي الغطرسة ثمنا.

     تقول هذه الغطرسة، يمكن أن نجعل غزّة تموت والضفّة ألغربية تغلي حتى إلى الأبد، نحن فقط الأقوياء. هذه العجرفة التي تحدّد، أنه فقط يُسْمَح لإسرائيل بالتسلّح إلى ما لا نهاية، وعلى الجميع أن يطأطئوا رؤوسهم بمذلّة إلى الأبد. وعندئذ يسقط شخص من الطائرة ليلا، أو في الصباح، وتكتشف إسرائيل فجأة الواقع: أنها ليست وحدها، وأنها ليست القادرة على كل شيء، وأنها لا يمكنها أن تعتمد إلى الأبد على قدرتها العسكرية.  

2018/2/11