[x] اغلاق
الحارة الغربيَّة محفورة في جدار الذِّكريات
1/3/2018 8:07

الحارة الغربيَّة محفورة في جدار الذِّكريات

بقلم: مارون سامي عزّام

أستغرب كثيرًا ممّا حصل في شفاعمرو من أمور غريبة مخجلة جدًّا، وبمثابة وصمة عار على جبين تاريخ هذا البلد المشرّف، فهناك الجهات الرسمية المتمثّلة بجميع إدارات البلدية الحالية والسّابقة، شوّهت المعالم الأثريّة للمدينة، بعدم رعايتها بيئيًّا، وصيانتها أثريًّا، وشفاعمرو لا تقل أهميّتها السّياحيّة عن مدينة النّاصرة، وبقية المدن والقرى العربية التي من حولنا.

كل إدارات البلديات "تباهت"، أنّها أنارت القلعة بصورة فنيّة ومهنيّة! أفضل من الإدارة السّابقة، والكارثة الأكبر، أنها لم تدرك أنها هدمَت أحد أهم المعالم التاريخية للمدينة، وهي مدرسة المكتب الموجودة في الحارة الغربية العريقة. بينما هناك نشاط فردي قيِّم وراقٍ، قامت به السّيّدة رندة بحّوث شمشوم ابنة هذه الحارة، وهو استرجاع متواضع لمشهد الماضي التّليد على مسرح الذّكريات، من خلال مشروعها "حارة الحيط عالحيط"، الذي عرضته في "بيت الأمل"، الذي يديره الأستاذ الياس جبّور، أفضل من أرّخ تاريخ شفاعمرو.  

مشروع يخص أهل الحارة الغربية فقط، الذين دعموا وباركوا للسيدة رندة على مبادرتها، ساهموا بإنجاح هذه الأمسية، أشعل فيهم فتيل لهفتهم، فأضاء قناديل حنينهم، وتوهّجت فرحًا. لاقت هذه الأمسية إقبالاً كبيرًا من قِبَل أهالي الحارة لم يكُن متوقّعًا، لأنّهم كانوا متعطّشين لتلك الأيام المحفوظة في خوابي الذاكرة التي مع مرور السّنين داهمتها الهموم والتطوّرات.

مشروع "حارة الحيط عالحيط"، هو إرث حضاري، كان يجب أن تتبنّاه بلدية شفاعمرو، أو على الأقل تقيم معرضًا أثريًّا، تعرض فيه مجسّمًا لحارات شفاعمرو... تعرِض فيه نموذجًا من اللباس التقليدي للرّجال والنّساء، تعرض الأدوات المنزليّة البسيطة، لكن للأسف الشّديد هذه البلدية واقعة في مطبّات فشلها الخدماتي المتكرّر، متفرّغة لترميم بنيتها الانتخابيّة المنهارة!!   

مشروع "حارة الحيط عالحيط"، سيُعرض في قاعةٍ كبرى لاحقًا، وبرأيي المتواضع، إنه يخص كل أحياء شفاعمرو، التي كانت في الماضي عبارة عن كتلة اجتماعيّة متماسكة، لونها واحد، متّحدة مصيريًّا، كتلة التي كلّما تدحرجت أكثر في منحدر التّوتّرات، كانت تكبُر تعاضدًا أكثر... كان همّها واحد، أعيادها جماعيّة، طائفة واحدة آمنت فقط بالله عزّ وجَل، مرت الأُلفة بين أزّقتها وشوارعها، اجتمعت النّخوة في بيوت هذه الأحياء، هذه هي الرّسالة الإنسانيّة التي يريد أن يوصلها مشروع "حارة الحيط عالحيط"، للمجتمع العربي عامّةً والشفاعمري خاصّةً.

الحارة الغربية، حقًّا مميّزة، فيها نوعيّة سكّان، ذات تركيبة جميلة وخاصة، تتمتّع بصمّام أمان أخلاقي، إلى يومنا هذا ما زالت محصّنة بجيرة حسنة، منيعة ضد أي استفزاز طائفي. مشروع السيدة رندة يُعيد رواية حقبة عاشتها هذه الحارة بتفاصيلها الصغيرة، لأنّها تريد إيقاظ هذا الجيل العصري من غيبوبة جهله ليس فقط لماضي أجداده أو حتّى أهاليه، بل إنّه يجهل طريقة العيش التي كانت سائدة آنذاك... هذا العمل هو نداء استغاثة لزمن هداة البال، ليُخرجنا من أعماق انشغالاتنا.

في النّهاية بودّي أن أذكُر جزءًا من قصيدة "بيت جدّي" للشّاعر السوري حسين حمزة: "كنّا يا دنيا جيران / حيطان تساند حيطان / بحارة كبكوبة خيطان ملفوفة علينا"، هذه الأبيات التي تحمل معاني سامية، تُلخِّص أمسية "حارة الحيط عالحيط"، وكل الشكر للسيدة رندة بحّوث شمشوم على براعة فكرتها وتطويرها بشكل مدروس وبتأنّي، حتّى أظهرت فيها ملامح الحارة الغربية على جدار الذِّكريات.