[x] اغلاق
وترجل الفارس عن حصانه ليحتضنه الموت... وداعاً هاشم محاميد
4/4/2018 7:11

وترجل الفارس عن حصانه ليحتضنه الموت

... وداعاً هاشم محاميد

الإعلامي أحمد حازم

ببالغ الحزن والأسى تلقينا خبر رحيل الصديق العزيز هاشم محاميد (أبو أياد) الذي أمضى حياته في خدمة قضيته الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي وفي خدمة أبناء شعبه في الداخل الفلسطيني. عرفت الراحل منذ أكثر من ربع قرن، والتقيته عدة مرات في عواصم غربية ولا سيما في العاصمة الألمانية برلين، التي كنت أقيم فيها.

الراحل أبو أياد انتخب في عام 1983 رئيسا للمجلس المحلي في أم الفحم، وفي عام 1985 نجح في الحصول على اعتراف وزارة الداخلية بأم الفحم كمدينة، وتحول مجلسها الى بلدية في عهده، حيث بقي في منصبه كأول رئيس لبلدية ام الفحم حتى عام 1989.

لقد انتخبه مواطنيه لأنهم عرفوا فيه الوفاء والإخلاص من خلال عمله التربوي حيث كان نائب مدير المدرسة الثانوية، أحبه زملاؤه في التدريس وكثيراً ما كانوا يشيدون بتعامله معهم ومع التلاميذ. كيف لا وهو إنسان أحبه كل من عرفه لدماثة أخلاقه وطيبة قلبه.

ونظراً لما كان يتمتع به الراحل من محبة مواطنيه في ام الفحم، ونظراً لسمعته الطيبة ونشاطه الجماهيري، طلب منه محبيه ترشيح نفسه للكنيست. فلم يتردد أبو أياد وخاض هذه التجربة حيث ظل سنوات عديدة عضو كنيست، تولى خلالها رئاسة لجان وكان أيضاً عضواً في لجان عديدة.

أذكر أن الراحل زارني في بيتي في برلين مرات عديدة، عندما كان يزور ألمانياً لإلقاء محاضرات عن الوضع الفلسطيني بشكل عام ووضع فلسطيني الداخل بشكل خاص.  وذات مرة في العام 1995 استقبلته في بيتي في برلين وجرى بيني وبينه نقاش حاد حول عضوية الكنيست. وكان الراحل يقول دائماً: "يجب أن نستغل منبر الكنيست لشرح وجهة نظرنا للعالم لنفضح إسرائيل وممارساتها". وبما أن رأيي مخالف لرأبه، كنا دائما في جدال قوي، لكن الخلاف في الرأي لا يفسد الود. حتى عندما كنت أختلف معه في الرأي حول مواضيع معينة، كان يتقبل موقفي برحابة صدر.

كان الراحل جريئاً في مواقفه ويقول رأيه دون الأخذ بعين الإعتبار عن ردود فعل الغير ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بإسرائيل. وعلى سبيل المثال في العام 1992 طالب أبو أياد خلال زيارة له لغزة "الشعب الفلسطيني بأن يتخذ جميع الوسائل لمناهضة الإحتلال والظلم، وأن الحجر والإنتفاضة لا يكفيان". أما عربياً، كان الراحل أبو أياد في منتهى الجرأة أيضاً. فخلال حرب الخليج الثانية، أبدى الراحل هاشم محاميد إعجابه علناً بصدام حسين، وقال " ان غزوه للكويت أعاد للأمة العربية والإسلامية هيبتها". ولم يخف أبو أياد تأييده العلني لحزب الله حيث وصف مقاتلي ميليشيات الحزب "بأنهم جنود حرية، وأن أرض لبنان مقبرة جنود الإحتلال"

مواقف أبو أياد الجريئة دفعتني لطرح سؤال عليه، كثيراً ما كنت أفكر بطرحه قبل ذلك، لكني كنت أتراجع في اللحظات الأخيرة . قلت له:" أبو أياد بدي تجاوبني صراحة، بس ما بدي السكري يعلى عندك" فابتسم كعادته ابتسامة المؤمن بقضيته  وقال لي : "خذ راحتك  واحكي". سألته: " ألا تعتقد يا أبا أياد بأن مواقفك الجريئة هذه تعطي أيضاً نتيجة عكسية، بمعنى أن إسرائيل قد تستغلها للتباهي بأنها ديمقراطية وتحترم الرأي الآخر لمواطنيها حتى لو كان مديحاً لأعدائها؟" فأجاب بكل هدوء كما وعدني: "أنا ما بهمني شو بفكر المحتل، بل اللي بهمني فضح وتعرية المحتل".

هكذا كان الراحل هاشم محاميد رجل مواقف أمثاله قليلون، مناضلاً شرسا من أجل قضيته وشعبه، والمئات الذين شاركوا في تشييع جنازته هم مثال على مكانته عند أهل بلده، والمئات الذين قدموا من كافة أنحاء البلاد  للتعزية بوفاته هم أيضاً مثال على محبة الجماهير العربية له. رحل عنا  أبو أياد جسداً، لكن أعماله النضالية والتربوية التي قدمها لأكثر من خمسين عاماً لن تغيب عنا وستظل  مرجعاً للجيل الحالي وللأجيال القادمة. رحمك الله أيها الصديق العزيز الوفي وأسكنك فسيح جنانه وألهم ذويك الصبر والسلوان.