[x] اغلاق
المحتلّون الأعِزّاء، نَعْتَذِرُ إنْ صُدِمْتُم
7/5/2018 7:49

المحتلّون الأعِزّاء، نَعْتَذِرُ إنْ صُدِمْتُم

جدعون ليفي ترجمة: أمين خير الدين

    في الحقيقة من الصعب التفكير بالحادثة الباطلة، الخياليّة المجنونة: زعيم الشعب الفلسطيني اضطرّ لأن يعتذر للشعب اليهودي. اضطر الناجي لأن يعتذر من سارقه، الضحيّة من مُغْتَصِبها، والقتيل من القاتل. المحتل حسّاس جدّا – بعواطفه، وبهذه العواطف فقط، يجب الاهتمام. الشعب الذي لم يتوقّف عن الاحتلال، وعن التدمير والقتل، ولم يجل بخاطره أبدا أن يعتذر عن شيء – أيّ شيء – يجبر ضحيته على الاعتذار عن عبارة بائسة وحيدة قالها زعيم هذه الضحيّة. والبقيّة معروفة مسْبقا: الاعتذار "غير مقبول". وإلا ماذا ظننتم؟ بأن "يُقْبل" الاعتذار؟ ليس من الضروري أن تكون من مؤيدي محمود عباس لتفهم أبعاد هذا التناقض. وليس من الضروري أن تكون ممَن يكرهون إسرائيل لتفهم حجم هذه الوقاحة.

     لدى إسرائيل بطاقة حظ عجيبة، بطاقة يانصيب هذا القرن: الخوف من اللاساميّة. ثمن هذاه البطاقة يرتفع  بسرعة عجيبة، عندما نبتعد عن الكارثة وعن اللاساميّة خاصّة يُستبدل هذا الإعجاب بنقد ضدّ إسرائيل. إشهار بطاقة اليانصيب هذه يُغطي كلّ شيء. من يرفع بطاقة الحظ هذه يمكنه فقط أن يرتكب ما يحلو له، يمكنه أن يُهانَ ويبتزّ. اهتزّ العالم من أقوال عباس كما لم يهتز من أيّ تحريض إسرائيلي. – الجوقة الأوروبيّة، مبعوث الأمم  المتحدة وسفير المستوطنين طبعا، ديفيد فريدمان، وهو الذي لم يتحفّظ من إسرائيل يأيّ  شيء، فقط الفلسطينيون،.  حتى صحيفة "نيويورك تايمس" استعملت لهجة غريبة بشدّتها:"كلمات عباس المقيتة يجب أن تكون الكلمات الأخيرة  له كزعيم  فلسطيني". من الصعب أن تصدق بأن الجريدة التي وسَمَها اليمين اليهودي بأنها تكره إسرائيل، بدون أي مستند تعتمد عليه طبعا، أن تنطق بنفس اللهجة ضدّ رئيس حكومة إسرائيل، المسؤول عن قتل متظاهرين غير مسلّحين على سبيل المثال.  

    المعايير مزدوجة في إسرائيل: لم تنتقد اليمين اللاسامي في أوروبا كما انتقدت محمود عبّاس، ومن المؤكد أنه أقلّ عداء من اللاساميين بشكل عام، من هاينتص كريستيان شتراخه* أو فيكتور أوربان**.

   قال عباس عبارة كان من المُفضّل لو أنه لم يقلها. وبمرور يوم واحد اعتذر، وتأسّف، وتراجع عنها، تحفّظ من الكارثة ومن اللاساميّة وأكّد التزامه بحلّ الدولتَيْن. لم يكن ناقصا إلآ أن يركع أمام جزمة إسرائيل المثبّتَة ويطلب العفو لأنه لا زال يعيش تحت سيطرتها. وإسرائيل لن تسمح لأي اعتذار بأن يوقف رقصها على دمه. أسرع ابيغدور ليبرمان ليبُخّ سموم فمه كعادته: " حقير مَن يتنكر للكارثة ... الاعتذار غير مقبول".

      تنكّرُ عباس للكارثة، بكل الأحوال، أقلّ بكثير من تنكرِ إسرائيل للنكبة،  التنكر للنكبة مسموح، وعمليا هذا التنكّر من واجب إسرائيل، والتنكّر للكارثة ممنوع ( وبحق)، الحقيقة أن الكارثة كانت مخيفة أكثر من النكبة بكثير، لا تهيئ التنكر لكارثة الآخر، الكارثة غير المنتهية أبدا. مع اللاساميّة أو بدونها اليوم وضع ايّ يهودي على  سطح الكرة الأرضيّة مضمون وأفضل من وضع الفلسطيني في الأرض المحتلة ومن وضع العربي في إسرائيل. لا يوجد اليوم يهود محرومون من حقوقهم كالفلسطينيين في الضفّة الغربيّة وفي قطاع غزّة، لا يوجد يهود مظلومون كالعرب في إسرائيل. عندما يُطْعَن يهودي في فرنسا يأتي رئيس الجمهورية الفرنسيّة لزيارته. وعندما يُطْعَن عربي في إسرائيل، يتابع رئيس الحكومة تحريضه، وعندما يُحرّض، لا يعتذر أبدا.

   إسرائيل لم تعتذر عن النكبة أبدا. ولا عن التطهير العِرقي، ولا عن تدمير مئات القرى، وتشتيت مئات الألوف من وطنهم. لم تعتذر عن جرائم الاحتلال عام 67،  وعن نهب الأراضي وبناء المستوطنات عليها، وعن الاعتقالات العَبَثيّة، والقتل الجماعي وتدمير حياة شعب. لا يوجد اليوم سياسي واحد إسرائيلي ينوي القيام بذلك، كخطوة مطلوبة للانتقال لمستقبل آخر. أمّا عبّاس فيجب عليه أن يعتذر، وإن لم يعتذر يطالب ليبرمان وصحيفة أل"نيويورك تايمس" برأسه. في الواقع سيفعلون ذلك حتى لو اعتذر.    

 

*نمساوي تحوّل من فني تقني إلى أهم زعيم يميني في أوروبا يعادي المسلمين-

**رئيس   وزراء هنغاريا يميني متطرف معادي للهجرة - المترجم