[x] اغلاق
هل معظم الأهل بحاجة حقاً إلى تربية صحيحة قبل الأولاد؟
20/6/2018 7:01

هل معظم الأهل بحاجة حقاً إلى تربية صحيحة قبل الأولاد؟

الإعلامي أحمد حازم

بين فترة أخرى أتناول في مقالاتي موضوع التربية والعنف الكلامي وحتى الجسدي بين تلاميذ المدارس وخصوصاً في الباص الذي يعتبر وسيلة النقل الرسمية الوحيدة في المجتمع العربي. وهذا الموضوع مهما تعمقنا فيه نبقى بحاجة أكثر وأكثر لمعالجته بسبب أهميته خصوصا وأننا نفتقر كثيراً إلى تربية سليمة لأولادنا وهذا يظهر في سلوكيات الأولاد، خصوصاً وأن المعلومات المتوفرة تؤكد أن 44 بالمائة من هؤلاء التلاميذ العرب اعترفوا بأنهم مارسوا أعمل عنف حسب رأي الدكتور خالد أبو عصبة.     عندما كنت أقيم في العاصمة الألمانية برلين، كنت أفضل استخدام المواصلات العامة في التنقل ولا سيما الباص. وقد بقيت على عادتي حتى بعد عودتي إلى أرض الوطن. صحيح أن الباصات في  العربي حديثة مثل باصات أوروبا، لكن سلوكيات بعض الناس الذين يتنقلون في الباصات في مجتمعنا العربي ولا سيما تلاميذ المدارس تختلف اختلافاً كبيراً عن سلوكيات الناس والتلاميذ في المجتمع الأوروبي، والفرق بين السلوكين مثل الفرق بين الليل والنهار حتى وأكثر من ذلك.   

أعرف بأن مجتمعنا العربي  يعاني من مشاكل تربوية عديدة بشكل عام ولا سيما  العنف بما في ذلك أعمال القتل والسطو. لكن ما لفت نظري في االفترة الفليلة الأخيرة ظاهرتان: الأولى سلوكيات التلاميذ في الباصات، والظاهرة الثانية: العنف الكلامي بين تلاميذ المدارس إزاء بعضهم البعض وحتى إزاء المعلم الذي من المفترض أن يحظى باحترام التلميذ وليس إهانته من قبل التلميذ. 

في كتابه "التربية للقيم في مجتمع مأزوم"، يحلل الدكتور خالد أبو عصبة حالة تفشي العنف في مجتمعنا عما إذا كانت مرتبطة بتدهور المنظومة القيمية لدينا، بقوله: " لا شك في أن هناك إسقاطات وانعكاسات لعدم الخوض في "موضوع القيم" في مدارسنا، وعدم الخوض فيه يؤدي إلى تشويه المجتمع وعدم تماسكه، أضف لذلك الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعيشها المجتمع، ما يؤدي بدون شك إلى تفشي العنف والسلوكيات الخطيرة في مجتمعنا كاستخدام المخدرات وشرب الكحول والاغتصاب".

و بيتهم د. ابو عصبة المؤسسة التعليمية بالتقصير أيضاً في تربية التلاميذ حيث يقول: "إن وظيفة المدرسة لا تنحصر في التعليم فقط، والمدرسة تتهرب من تحمل مسؤوليتها إلى التعليم، وقامت بأسوأ من ذلك حيث أقنعت الأهالي بأن دورها هو التعليم فقط، وبدأ الأهالي بالإيمان في هذا الدور  وهذا أمر خاطئ، فالمدرسة مؤسسة تربوية تتحمل مسؤولية ما يحدث في المجتمع ولا يمكن فصلها عن الحيز الاجتماعي ولا يجوز ألا نحملها مسؤولية ما يحدث". أنا أوافق د. أبو عصبة الرأي في أنت المجدرسة تتحمل جزءاً كبيرا من المسؤولية، لكن الأهل يتحملون المسؤولية الكبيرة في تربية الأولاد على السلوكيات الصحيحة، كون البيت هو الأساس قبل الذهاب إلى المدرسة.

ذات مرة ذهبت لزيارة صديق لي في إحدى القرى، وأعتذر من القاريء عن عدم ذكر اسم القرية لكي لا يتم فهمي خطأً. هذا الأمر تطلب مني أن أستقل الباص لسببين: أولهما  أن السيارة كانت مع إبني وثانيهما لأني أفضل استخدام الباص على السيارة. وصادف أن كان عدد التلاميذ في الباص أكثر من عدد الركاب الأخرين.  وقد صعد تلميذ إلى الباص ولم يدفع الأجرة ثم جلس على مقعد. فلفت السائق نظر التلميذ أن عليه دفع الأجرة. وكم كانت دهشتي كبيرة  عندما قال التلميذ للسائق والذي كان حسب تقديري لم يتجاوز سن السادسة عشر: " ما بدي أدفع واعمل اللي بدك اياه". فقال له السائق:" لا عمي بدك تدفع مثلك مثل غيرك". فأجابه التلميذ وبكل وقاحة:" إعتبرها خاوة" ثم اتصل بوالده وشرح له  الوضع على طريقته الخاصة أي طريقة الكذب في سرد الواقعة. وعندما نزل التلميذ من الباص كان والده مع شقيق له ينتظران في المحطة ثم صعدا إلى الباص. وسأل والد التلميذ السائق:" ليش بتتعدى على ابني؟" فشرح له السائق ما جرى بالتفصيل. ويبدو أن الأب اقتنع بما قاله السائق لأنه نزل وأوسع إبنه ضرباً أمام الناس، إلا أنه لم يعتذر من السائق.

حادثة أخرى كنت شاهداً عليها في باص آخر. كان في الباص الذي استقليته عدداً من التلاميذ. فمنهم من كانت سلوكياته جيدة لكن سلوكيات معظمهم كانت في منتهى الوقاحة وكان بينهم تلميذات أيضاً. كانوا  يجلسون على المقاعد ثم يضعون أرجلهم بأحذيتهم على المقاعد المقابلة،  بعضهم يأكل سندويشات ويرمون بورق السندويشة في الباص أو يأكلون "مكسرات" ويرمون القشور داخل الباص. ليس هذا فحسب: كنت أسمعهم  يتبادلون كلمات وتعابير يندى لها الجبين لما فيها من عنف كلامي ووقاحة وقلة أدب. جميعهم كانوا منهمكين بهواتفهم يتنقلون من "الواتس أب" إلى البحث في جوجل، وهذا الأمر بدا واضحاً من خلال أحاديثهم. والشيء المخزي أن تلميذا نادى تلميذة ليريها فيديو على الإنترنت، فلما ألقت التلميذة أول نظرة على الفيديو قالت له مشمئزة: " قرف يقرفك واحد سافل" ثم عادت إلى مكانها.

 لم ترق لي هذه المشاهد المؤذية والمخزية من تلاميذ وتلميذات يفترض أنهم شباب المستقبل. كان الباص مليئاً عندما صعدت سيدة مسنة ولم يقف أحد من التلاميذ ليجلسها احتراماً لتقدمها في السن. ففعلت أنا ذلك وأجلستها مكاني. فقلت لهم: "عيب عليكو ليش بتحطو أرجلكو على المقاعد وبتوسخو الباص". فوقفت تلميذة وأجابتني بوقاحة لا مثيل لها:" إحنا تعبانين وبدنا نعمل اللي بدنا اياه وما حدا دخلو فينا". تذكرت نفسي وأنا في عمرها كيف كنا نحترم  من هم أكبر منا سناً وكيف كنا نحترم أساتذتنا في وجودهم وفي غيابهم، وقارنت بين سلوكيات التلاميذ أيام الزمن الجميل أيام احترام الآخرين ولا سيما المسنين والمعلمين وبين سلوكيات تلاميذ عصر العولمة والإنترنت والبلفون والواتس أب وعصر "الجينز" المفتوح عند الركبتين  وفوق الركبتين أيضا.

نزلت من الباص وأنا أقول في نفسي: يبدو أن  معظم  الأهل بحاجة أولاً لتربية قبل الأولاد