[x] اغلاق
هنـاك في نـهـر البـارد شفاعمريون
1/8/2018 10:30

هنـاك  في  نـهـر البـارد  شفاعمريون

تغريد ابو رحمة جهشان- محامية يافا /شفاعمرو

واتابع البحث , عن كل صورة ومقطع ومعلومة عن تاريخ شفاعمرو في الوقت المتبقي ما بعد العمل في المكتب وفي البيت والالتزامات والنشاطات الاخرى تطوعية وغيرها,  لاصل الى كتاب فاجأني بشكل كبير بعنوان " Nahr Al-Bared" "نهر البارد "  باللغة الانكليزية والذي كتب بالاصل باللغة التشيكية وكاتبته جانا قطيش من اصول تشيكية متزوجة من فلسطيني يدعى احمد قطيش  ابن اللاجئ  الشفاعمري محمود قطيش وزوجته فاطمة السنكري قطيش ,  زوجان شاءت الاقدار ان يتزوجا ما قبل النكبة بقليل دون ان يعرفا ما خبأت لهما الاقدار خلف الحدود اللبنانية من عذاب ومآسي دون ذنب سوى انهم فلسطينيون اصحاب ارض ووطن وبيت . لم يكن الحصول على الكتاب في اسرائيل سهلا لان مثل هذه الكتب الوثائقية لا تلقى الا التهميش والتغاضي ولكن بفضل التكنولوجيا وتطور التواصل عبر القارات كانت الطريق سهلة الى طلب الكتاب من شركة امازون عبر الانترنت وكان انتظار مشحون بالتوقع وحب الاستطلاع لانه وكما جاء في موقع شركة امازون كتاب يسرد بالتفصيل حياة اهل زوج الكاتبة منذ تهجيرهم من شفاعمرو ومحاولات العودة او كما عرّفت  ذلك الدولة " التسلل " وبعدها الى حياة النزوح في مخيمات اللاجئين في لبنان ليستقروا في نهاية المطاف في مخيم نهر البارد بعد تنقيلهم من  مخيم  الى آخر  .

الاهل الباقون في شفاعمرو عرفوا صعوبة الحياة بعد الاحتلال سنة 1948  . بعض عرفها بنفسه او نقلا ممن حوله من اب وام وقريب وبعيد ومنهم تعرفنا على  الظروف التي سادت في تلك الفترة العصيبة بعد الاحتلال ونظام الحكم العسكري الذي طبق على المواطنين العرب . كانت فترة صعبة . ولكن هل نعرف الصعوبات والويلات التي كانت من نصيب الشق الاخر من الشفاعمريين اللذين تهجروا في سنة 1948 ؟ كتاب النهر البارد  مصدر وثائقي كبير يتيح  التعرف من قريب عن ما حل بهؤلاء الشفاعمريين من خلال عائلة قطيش .

تقول الكاتبة في مقدمة كتابها :" ان تنتمي الى مكان ما , ان يكون لك بيتا تمتلكه , شارع ركضت به عند الطفولة مدينة ,منطقة وارض موطن منها اتيت واليها يمكن ان تعود وان يكون لك بيتا ووطنا , كل ذلك امر بديهي لدى معظم الناس اذ انه يرتبط بشكل عضوي بذاكرتهم , ولكن لكثيرين (ملايين من الناس ) الوطن هو امنية غير واقعية وحلم  لم  يتحقق لعدة اجيال حتى يومنا هذا .هؤلاء هم ما يسمى باللاجئين . انهم لا يستطيعون العودة الى المكان الذي ينتمون اليه من ناحية ومن الناحية الاخرى غير مرغوب بهم في البلد التي اجبروا على العيش بها .انهم يفتقدون الحقوق الانسانية الاساسية ويعانون في حالات كثيرة من الفقر ويواجهون مواقف سلبية تجاههم من سكان الدولة التي اضطروا للاقامة  جعلتهم يعيشون بشعور من النقص وعدم الكفاءة. "

وتتابع  :" اهدي هذا الكتاب لاصدقائي واحبائي من اللاجئين ولغيرهم من الناس الذين لا وطن لهم ولا اعرفهم ولكن اتعاطف معهم بشكل عميق  "

الكتاب مبني على حقائق واقعية باسلوب ممتع وشيق . فالفصل الاول يحكي به احمد زوج الكاتبة عن حياته منذ الولادة في المخيم وحتى سنة 1967 , حياة  تعسية  وصلفة  جدا في المخيم حيث عاش في الخيام بالبرد القارص في لبنان مما جعله يكره كرها شديدا فصل الخريف والشتاء , اذ اكثر ما استطاع اللاجئون تحقيقه من الناحية "المعمارية"  بيتا من الطين لمنعهم من بناء بيوت انسانية بحجة منع توطينهم ومن اجل عودتهم الى فلسطين التي لم يعودوا اليها حتى اليوم . الظروف المعيشية كانت لا تطاق فالاكل كان بالتنقيط بواسطة الاونروا والثياب كانت لا تكفي وبضمنها الاغطية مثل الحرامات الشتوية التي كانوا بامس الحاجة اليها بسبب البارد القارص على ارض لبنان . اضافة لكل ذلك فقد كانت معانات اللاجئين  كبيرة من معاملة اللبنانيين لهم وقد عانى من ذلك احمد بنفسه مرارا عديدة . اما التعليم فقد كان مقتصرا على مدارس الاونروا الابتدائية داخل المخيم التي كانت تطبق المنهاج اللبناني وكان هناك منع لذكر فلسطين في هذه المدارس .اللاجئون منعوا من الدراسة في المدارس الحكومية اللبنانية واذا اراد اي منهم متابعة تعليمه الثانوي فعليه الانضمام لمدرسة اهلية وذلك امر مكلف صعب المنال .المخيم عمليا جيتو يمنع الدخول والخروج منه تحرسه على المدخل الشرطة اللبنانية التي عاملت اللاجئين باستعلاء وعنجهية لا توصف فكانت الشرطة تعاقب كل من يخرج من المخيم  بدون اذن بشكل صارم . يصف احمد حالة صعبة تم بها عقاب ام شاب لاجئ ترك المخيم وانضم الى الفدائيين واستشهد , عقاب ام سلامة كان مؤلما ,اذ تم جلدها على رجليها امام كل اهل المخيم حتى سال الدم منهما  . نفس الفلقة كانت من نصيب  مدير المدرسة امام طلاب مدرسته  في المخيم لأنه تجرأ على رفع علم فلسطين وانشد مع طلابه النشيد الوطني الفلسطيني موطني.           

الفصل الثاني تبدأه الكاتبة جانا بسرد حياة ام زوجها, حماتها , ام عمر في فلسطين . فتاة يانعة تعيش في مناطق خضراء ما بين مدينة شفاعمرو وعكا مع عائلتها عائلة السنكري, عائلة فلاحين مقتدرة  تملك الاراضي والمواشي ولها ارتباط مالي مع الجيش البريطاني لبيع الحليب . تربط العائلة قرابة بعيدة مع عائلة قطيش التي تطلب يدها لابنها محمود الذي يعمل موظفا في حيفا . ويتم الزواج وتشاء الاقدار ان تندلع الحرب وهي حامل في الشهر الخامس وتعود العائلة الى شفاعمرو عند تصعيد الحوادث في مدينة حيفا .وتقرر العائلة الهروب الى  خارج البلد الى ان تهدأ الاوضاع . وفي رحلة قاسية مضنية مشيا على الاقدام بها تفقد جنينها , تصل العائلة الى لبنان. لم تكن هذه الرحلة الاولى والاخيرة الى لبنان مشيا على الاقدام اذ حاولت العائلة العودة الى شفاعمرو الا انها لم تستطع دخولها للتفتيشات المتواصلة من قبل الجيش عن المتسللين لتعود العائلة تجرر اقدامها  في رحلة عذاب ثانية باتجاه لبنان لتقيم بها بعد ذلك .    

في الفصل الثاني تتحدث به ام عمر والدة احمد وحماة جانا عن حياتها الجميلة في بيت ابيها الفلاح في فلسطين وزواجها من محمود قطيش . قصتها هي قصة فلسطين باكملها من الحياة الهنيئة في ربوع الاراضي الخضراء التي تحمل الخيرات والطيبات والى زواج  ناجح  موفق  والى فقدان كل ذلك بالكامل الى حياة التشرد واللجوء  .

                                                                         يتبع ......