[x] اغلاق
استعراضات المسارح الانتخابيّة الهزليّة
11/10/2018 7:11

استعراضات  المسارح الانتخابيّة الهزليّة

بقلم: مارون سامي عزّام

هناك تعبير معروف، "فَصل الدّين عن الدّولة، يُستخدم في أروقة الدّولة التشريعيّة، ولكن في مجتمعنا العربي عامّة، أحب أن أستخدم تعبيرً جديدًا، ويجب العمل به وهو "فَصل السياسة المحليّة عن العلاقة الشخصيّة"، لكن يبدو هذا الأمر مستحيلاً، لا يستطيع المرشّحون الالتزام به، حتّى خلال عروض مسرحيّاتهم على مسارح الانتخابات المحليّة، التي تُشغّلها في الخلفيّة، أجهزة ردود الفعل المفبركة، التي تحتاج لرادارات التّعقّل، لمنع أي صِدَام حاد، بين المؤيّدين والمعارضين المندفعين !!

المسرحيّات الانتخابية، تُعرض تحت رعاية "العُرس الديموقراطي"، الذي يدعو لاحترام رأي المرشّحين، وتقبُّل الرّأي المعارض والمؤيّد... لأن هبوب أي زوبعة انتخابية، ستحمل معها التّرسّبات الشخصية بين المرشّحين، إلى مطارح العتاب والسّباب، هنا تتحطم خشبة المسرح، لتتحوّل، إلى استعراضٍ كلامي فوضوي، أجواءه التنافسيّة مكفهرّة بالمشاحنات والتجريح الشخصي.

مع افتتاح موسم المسرحيات الانتخابيّة، نشاهد يوميًّا مسرحيَّةً، أحداثها مشوّقة، البطولة المطلقة لمرشّحي الرّئاسة، الأبطال المشاركين، هُم مرشّحو القوائم، المجاميع هُم الجمهور، تروي المسرحيّة، عن انفجار برميل ضغط المنافسة بين المرشّحين، المليء بمادة مفاجآت متفجّرة، يفجّرها "خبراء إعلاميّين"، أمّا الضحايا، فهُم الجالسون أمام شاشة "الفيسبوك"، التي باتت هذا الموسم، تلعبُ دورًا مركزيًّا!!  

عصر الانفتاح الإعلامي الحر! الفيسبوك!! الذي "أنجب" صحافة جديدة، أسمّيها "الإعلام المرئي الذّكي!!"، جعل من الهاتف الذّكي، ميدانًا مُصوّرًا، ينقل للبيوت وقائع الاجتماعات الانتخابية من المقار، أو من الحلقات المنزلية الشخصية. من خلال هذا البث المباشر، تنتشر عروض المسرحيّات من عدّة مقار، ويصبح كل فردٍ "تحدّث بعفويّة"، نجم الفيسبوك الأول، وشخصيّة معروفة بين النّاس في اليوم التّالي... هذه الوسيلة الجديدة والمتاحة للمواطن هي جزء من لعبة الانتخابات، تمنحه رخصة إطلاق رصاص همومه، من بارودة ألمه!!

الإعلام المصوَّر المتمثّل بالصّحفيّين "الجديين"!! يقومون بإخراج مشهدٍ تمثيلي على مسرح الفيسبوك، بهدف تحسين الأداء اليومي لبعض المرشّحين، حتّى يتلاءم مع الميول السياسيّة "للصّحفيين"، الذين يسعون لتجميل صورة المرشّحين، فيستعرضون أعمال مسرحيّاتهم الخدماتيّة الخالدة!!، ليفرش لهم ناشطو الفيسبوك، سجّاد الولاء، الملوّن بأبهى ألوان التعليقات والهتافات والتحيّات المشجّعة، لتمجيد مرشّحهم "المناضل"!!

على المسارح الانتخابية نصادف ديكورًا أزليًّا، وهو استخدام الغسّالات الدعائيّة الأتوماتيكية، لتغسِّل أدمغة المواطنين بصابون برامج القوائم التي ترغو بالأكاذيب، تعمل دون توقّف، إلى أن يخرج عقل هذا المواطن من هذه الغسّالة، نظيفًا من قاذورات الآراء المسبقة... يعني تصبح عقليّته مبرمجة حسب المعايير التي يسير حسبها نُشطاء القوائم، المنتشرون في كل الأماكن العامّة!

هناك ديكور مشترك لجميع المسارح، أُضيفَ منذ انطلاق الحملات الدّعايّة، وهو ديكور الشّارع في بلداتنا العربية، لكي تمرَّ فوقه مواكب عمليات الحسم، والذي أصبح أطول من سور الصين، لكثرة المقاطع الانتخابية التي أضافها وكلاء المرشّحون لكل موكب، كي يسيروا بهدوء... بدون عراقيل خارجية تمنعهم من العبور... بدون مطبّات تحريضيّة، قد تزعزع سيرها!! لذا نجد "الخبراء الانتخابيين"، يدرسون توجّهات هذه المواكب على هذا الشّارع الشّهير، بعيون رقابيّة حادّة، وتحليل منطقي، فيعرفون تقريبًا، دبيب تحرّكات الموكب الأوفر حظًّا، وبأي اتجاه يسير.

على هذه المسارح الانتخابية، هناك دور فعّال وهام جدًّا، يقوم به كافّة مرشّحي الرّئاسة أو العضويّة، إذ يفتتحون المزادات الدّعائيّة الهزليّة، بطرح شعارات تسويقيّة مستهلكة، مثل "مصلحة المواطن"، "الخدمة"، "الشّراكة الحقيقيّة"، "الإصلاح الوظيفي" وما شابه، فيرفعون سعرها أمام المواطن الساذَج، ظنًّا من المرشّحين أن ضميره قد اشتراها، ليربحوا غنيمة غالبية الأصوات! رغم أن المواطن لم تعُد تغريه هذه السخافات.

للأسف الشّديد، هذه المسارح الانتخابية التي تعجُّ بممثّلين عن كل المرشّحين، لا يوجد دور تمثيلي صغير للمعاقين، فهُم بالنسبة لهُم، فئة غير مؤثّرة، تثير الشّفقة على وضعهم... يستحقّون التعاطف معهم ومع متطلّباتهم البسيطة، ولكنّهم لا يخدمون البرنامج الانتخابي للمرشّحين، القائم على بنود تلبّي فقط احتياجات المواطن العادي، غير المعاق.

التجاهل السّافر لجمهور المعاقين، في هذه المسرحيّات الانتخابيّة الهزليّة، فيه تفرقة اجتماعية بشِعَة، تجعلهم درجة ثانية، بسبب إهمال المرشّحين لهم، واليوم... يُغلقون على المعاقين، دائرة احتوائهم أو سماع صوتهم، الذي يطالب بمطلب عادلٍ، وهو تفعيل حق الإتاحة لهُم في المؤسّسات الرّسميّة، والمحلاّت الشّرائيّة. إذا انشغل المرشّحون بالمعاقين، سيحِد من قوّة تأثيرهم على السّير الدرامي للمسرحيّة!، لذلك... استثنوهم من حساباتهم الانتخابية، لكونهم يُشكّلون "عبئًا بلديًّا كبيرًا"، على منتخبي الجمهور، عندما يصلون إلى دار البلدية، لأنّهم ليسوا أهلاً لخدمة المعاق.

إن هذه المسارح الانتخابية المليئة بأدوار تمثيليّة مختلفة، سينتهي موسمها... بعد أن وزّع عمّالها على الجمهور الوجبات والمقبّلات، لإسكات جوعه الانتخابي الفِطري، وستتفكّك آليّاتها قريبًا، وسيُسدَل ستار النتائج عليها، وتبدأ في الخلفيّة عملية فَرز الأصوات، عند فتْح الصّناديق، وهنا تبدأ تزول القوّة التأثيريّة للمرشّحين، رويدًا رويدًا، فتبدأ ملامحهم تتغيّر، إمّا فرحًا "بالنّصر السّاحق"، أو يصابون بالخيبة، نتيجة فشلهم الذريع في بناء مسرحٍ انتخابي متين، لأن بنيته الجماهيريّة لم تكُن واقعيّة وفعّالة، لم تدعم "خدمات المرشّحين الخطابيّة"، لأنها كانت مجرّد مسارح دُمى انتخابيّة!!، حرّكها مرشّحو القوائم، حسب مزاجهم الرّئاسي الصّافي، الذي يأبى أن تُعكّره شوائب الاعتراض عليها أو تغييرها!!...