[x] اغلاق
حكاية امرأة عاشت مُستهترة
28/3/2019 8:27

حكاية امرأة عاشت مُستهترة

بقلم: مارون سامي عزّام

بدأت اليوم نّيران الذّكريات تقترب من ذاكرتها، لتُحرق صالة اجتماعيّاتها التي أجّجت استهتارها من الحب... دمّرت كيان نفسيّتها، كي تنسى صور أشخاصٍ أحبّوا ملاقاتها، استلطفوا عشرتها الخفيفة المصحوبة بروح النّكتة والفكاهة... اليوم بدأ النّاس يرشق هذه الصّالة الشّهيرة، بحجارة كلامهم من كل ناحية، ليحطّموا ثريّا شرفها المتألقة، لكن هذه السيدة ما زالت كرامتها حصينة، واستطاعت بمنظومة دفاعها عن مجالها الشّخصي، أن تقضي على ترسانة شائعات المجتمع غير التقليديّة.

دارت في طاحونة ماضيها معارك بين شبّان يصغرونها بعدّة أعوام، حول أحقّيّتهم بامتلاك نظراتها... تنازعوا على منطقتها الأنثويّة الخصبة، ولكنها كانت مفروزة المشاعر، منزوعة الأحاسيس، ورغم كل ذلك كانت نظراتها الزجاجيّة تلمع نتيجة انعكاس تصرّفاتها على مرآة هروبها من حياتها المتأزّمة عاطفيًّا، في النهاية ضحّت بمصائر هؤلاء الشبّان، على مذبح استهتارها منهم... كَم لعِبَ فرسان الابتسامات على أرض صالتها مع شفاهها البرجوازيّة التي انقرض عصرها، فكانت تحترف توجيه سير الحديث معها، إلى طرُقات مسدودة التفاهم والرّؤيا.

كم نصِبَت على أرض تلك السّيدة أعظم وأجمل التماثيل المنحوتة من تضحيات الشبان والرّجال، في سبيل إرضائها بكل ثمن، وماذا كانت النّتيجة؟، أنها حطّمت كرامتهم وداست على شوارب شهامتهم... أذلّت أنفسهم. إلى هذا اليوم ما زالت مستهترة بقيمة الزمن... مستبدّة برأيها... راضية كليًّا عن مجموعة قراراتها "العشقيّة التّاريخيّة"، غير المنصفة بحق نفسها.

بقي جُّبنها ويأسها وخوفها من لعنة فانوس الحب السّحري يطاردها طيلة أربعين عامًا، لا تُريد أن تفرُك هذا الفانوس، خوفًا من أن يظهر لها جِن الحظ السّيئ، تخاف أن يحرمها الرّجال من الاستقلالية الاقتصاديّة، فتغدو جاريّة تحت أقدامهم، تكره استعباد الرّجل لها، لأنّها تعوّدت أن تُعيل ذاتها. تحب البقاء سيّدة نفسها، لا تحِب العيش في غابة الرّجولة المخيفة، المليئة بالأسرار والمغامرات.

ما زالت تعتقد إلى هذا اليوم أن جميع الرِّجال، سواء عرفتهم أو لم تعرفهم، حيوانات مفترسة لا ترحم... تريد اغتنام أنوثتها شبه الغضَّة، وتمزيقها إربًا بأنياب غريزتهم الجامحة، ليرموها أشلاءً على ولائم أحاديثهم الغنيَّة بمقبِّلات رجولتهم، تعرف جيّدًا أن هذه المعتقدات بالية، غير صحيحة، خياليّة التّصوّر، نسجتها لها أساطير المفاهيم الخطأ بحق الرّجال.

هكذا ترى صورة الرجل، على أنّ عقليّته همجيّة، سلوكه متسلّط، جُلّ هَمّه إرضاء رغباته الشّخصية والحياتية والمنزلية فقط... رغم أن مقاس حلَّة عمرها تجاوز الأربعين، لكن من رأى تلك السَّيدة، يعتقد أنها ما زالت في العشرين من عمرها، لأنّها تُحب انتهاج سياسة التّعتيم على سنّها الحقيقي، تأبى الاعتراف بأنّ سرب الزّمن، بدأ يُحلّق بها نحو منطقة عمرية خالية من التّحدّيات، وستعبُر قريبًا قناة سن اليأس الطّويلة، إلى أن تصِل بها إلى آخر محطة بعمرها وهي محطّة الشّيخوخة الأخيرة...