[x] اغلاق
ما أقسى ظلم ذوي القربى
11/4/2019 7:29

ما أقسى ظلم ذوي القربى

الإعلامي احمد حازم

قال الشاعر الجاهلي عمرو بن العبد البكري المعروف بـ  طرفه بن العبد، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند. لم يأت كلام الشاعر من فراغ بل نتيجة تجارب مر بها الشاعر. وهذا القول يطبق بالفعل على الفلسطينيين في الدول العربية، وأيضاً على موقف مواطني هذه الدول إزاء الفلسطينيين في الداخل  الذين بقوا على أرضهم بعد نكبة 1948. 

كافة القادة والمسؤولين في هذه الدولة يعرفون أن الأقلية العربية تعاني من تمييز مجحف بحقها، في هذه الدولة التي شاء القدر وشاءت السياسة أيضا، أن يكون الفلسطينيون نسبة قليلة فيها، وأن يحملوا في وطنهم اسم "عرب إسرائيل". وكثيراً ما أسمع البعض يقول:"والله إحنا عايشين في هالدولة أحسن من الدول العربية". حتى أني سمعت رجلاً مسناً يقول لصديقه المسن:"خلينا نظل ساكتين أحسن، لو كنا في بلد عربي ما كان حدا بهتم فينا..الله يخليلنا التأمين الوطني". كل هذا أسمعه من الناس، وقد يكون هؤلاء بنظر البعض على حق فيما يقولون، وقد يكونوا  بنظر آخرين مخطئون فيما يرددون. والحقيقة " ليس كل ما يلمع ذهباً "

لكن هناك وجه آخر لميدالية النظام. الفلسطينييون الذين بقوا في أرضهم بعد قيام إسرائيل يشكلون عشرين بالمائة من سكان الدولة، ولا تتوفر لهم الحقوق التامة والكاملة كمواطنين يشكلون حوالي خمس عدد سكان البلاد، أي أنهم وحسب تعدادهم، لا يحظون بوظائف ومناصب في الوزارات والمؤسسات الرسمية في هذه الدولة، التي من المفترض قانونياً ان تتعامل مع كافة سكانها بمساواة.

 أضف إلى ذلك، هناك خطوط حمراء ومحظورات للمواطنين الفلسطينيين، والتي تعكس بصورة واضحة التمييز العنصري والعرقي إزاءهم، والأمثلة كثيرة جداً في جميع مجالات الحياة الاجتماعية. حتى في القضاء الإسرائيلي هناك تمييز في الأحكام. صحيح أن القانون من الناحية النظرية واحد وموحد للجميع، لكن عملياً، فإن الأحكام التي تصدر على عربي أقسى من الأحكام التي تصدر على اليهودي، وهذا باعتراف مجموعة من رجال قانون يهود أصدروا دراسة في هذا الشأن.

الخبير القانوني محمد دحلة، يقول إن التمييز العنصري للفلسطينيين داخل مناطق الـ 48، هو من ثلاثة أوجه: الوجه الأساسي عن طريق التشريع في البرلمان الإسرائيلي والكنيست، وهنالك العشرات من القوانين التي  سنت بالكنيست وموجودة في كتاب القانون الإسرائيلي والتي تميز الفلسطينيين إما صراحة أو بطريقة غير مباشرة .

أما  الطريقة الثانية فيقول دحلة أنها عن طريق السياسات الحكومية المختلفة ومنها القرارات التي تتخذها الحكومات الإسرائيلية على التوطين. والطريقة الثالثة داخل أروقة المحاكم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

الفلسطينيون في إسرائيل لا يتعرضون فقط  لظلم مجحف بحقهم من قبل السلطة الرسمية. فهم يتعرضون أيضا لظلم من نوع آخر أقسى وأشد معنوياً، وهو ظلم ذوي القربى العرب، أي ظلم أبناء جلدنهم في العالم العربي. فهم ينظرون إليهم بشكل عام  نظرة ارتياب وشك، ليس لسبب مقتع، بل لأنهم بقوا في أرضهم، وكتب الله عليهم أن يحملوا الجنسية الاسرائيلية.

فالدولةُ اللبنانيّةُ  على سبيل المثال َتحرم فلسطينيّي لبنان حقوقَهم المدنيّة والاجتماعيّة والسياسيّة وأهمُّها: حقُّ التملّك، وحقُّ العمل. يقول الباحث الفلسطيني محمد الخطيب، ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة في لبنان أصدرت في العام 1982 قرارًا يمنع الفلسطينيّين من مزاولة 24 مهنة، وبالتدريج وصل عددُ هذه "المهن المحرّمة" إلى أكثر من  75 مهنة. هذا القرار في تلك الفترة كان واحدًا من سلسلة قراراتٍ تعسّفيّة أخرى طاولتْ حقَّ التنظيم وبناء المؤسّسات الاجتماعيّة والأهليّة، وحقَّ التظاهر والمشاركة السياسيّة، وحقَّ التعبير.

ويضيف الباحث: إن الحكوماتُ اللبنانيّةُ المُتعاقبة واصلت سياسةَ فرض القوانين العنصريّة التي تُميّز ضدّ الفلسطينيين وتحرمهم حقوقَهم الإنسانيّة. وذهبتْ إلى حدّ فرض حصار أمنيّ واقتصاديّ وثقافيّ خانق على المخيّمات بأشكال مختلفة: يبدأ من إقامة الحواجز والأسلاك الشائكة، ومحاولة استنساخٍ رخيصةٍ لجدارِ فصلٍ عنصريّ حول مخيّم عين الحلوة يحاكي جدارَ الفصل العنصري الإسرائيليّ.

الشعوب العربية بشكل عام تنظر إلى المواطنين في الداخل الفلسطيني وتقيّمهم من خلال جواز السفر الذي يحملونه، وليس من ناحية قومية عربية، وكأن هؤلاء لا يكفيهم ما يعانون منه من تمييز في إسرائيل. حتى في الدول العربية التي توجد لها علاقات مع إسرائيل فإن شعوب هذه الدول تنظر إلى أي علاقة مع فلسطينيي ألـ 48 وكأنها تطبيع مع إسرائيل وليس علاقة عرب مع بعضهم. ما أقسى ظلم ذوي القربى.