[x] اغلاق
تساؤلات خلف نعش شخص غير غريب
18/4/2019 17:11

تساؤلات خلف نعش شخص غير غريب

د.امير خنيفس

يقول درويش في قصيدته: لا أعرف الشخص الغريب....

 لا أعرف الشخص الغريب ولا مآثرَهُ...

رأيتُ جِنازةً فمشيت خلف النعش، مثل الآخرين مطأطئ الرأس احتراماً.

 لم أَجد سَبَباً لأسأل: مَنْ هُو الشخصُ الغريبُ؟  وأين عاش، وكيف مات فإن أسباب الوفاة كثيرةً من بينها وجع الحياة.

كم هي مؤثرة كلمات درويش حتى لو لم نعرف هوية الشخص الذي سار خلف نعشة، فكيف حينما يكون النعش لابن بلدي الذي قُتل رميًا بالرصاص على يد أحد أفراد عصابات الإجرام المتسلطة في بلداتنا العربية من أقصى الشمال حتى القرى غير المعترف بها في الجنوب. نعم، إنه غسان عوكل، المعروف بكنيته بين مواليد الستينات وسبعينات القرن الماضي باسم " أبو العوكل" صاحب الدكان الصغير الواقع حتى بضع سنوات على ما اعتبر آن ذاك بالحدود الشرقية للبلدة. أما لقبة "أبو العوكل" فقاد حاز عليه دون أي احتفالات رسمية، وإنما احترامًا وتبجيلًا لبيرته الباردة التي روى بها عطش المئات من شباب البلدة المتلهفين لمشروب روحي في الساعات المتأخرة من الليل، في بلدة خلت من ملتقى ترفيهي واحد، وتكاد معظم حوانيتها تغلق أبوابها بعد صلاة العصر بقليل.

مقتل "أبو العوكل" غسان أثار بي موجة جديدة من الغضب تُضاف إلى موجات الغصب التي ترافقني خاصة في ما يتعلق بالإجرام المنظّم في بلداتنا العربية، وتغلغل هذه العصابات في مراكز الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. على عكس درويش الذي سار وراء نعش الرجل الغريب بصمت متفاديًا أي سؤال حول هويّته ومآثره، سرت وراء نعش غسان وتساؤلات عديدة تراودني؛ كيف وصلنا إلى هذه الحالة المنحطة من عدم الاستقرار في بلداتنا؟ ومن المسؤول عن تفشي هذه العصابات؟ وكيف يمكن تفسير عدم قبض الشرطة على مجرم واحد على الأقل من مرتكبي هذه الجرائم.

 

كقارئ للعلوم السياسية وجّهت أصابع الاتهام الأولى إلى حكومة إسرائيل وسياستها العنصرية اتجاه الأقلية العربية في البلاد، وعلى رأسهم وزير الشرطة غلعاد أردان الوزير اليميني من حزب الليكود الذي ما ينفك يتهم الأقلية العربية في البلاد بجميع مصائب الدولة دون أي سبب أو علة. عدم القبض على أي مجرم من منفذي القتل في البلدان العربية بعد مقتل العشرات منهم في السنوات الأخيرة هو أكبر برهان بأن توفير الأمان للمواطنين العرب في البلاد هو آخر همّ الوزير أردان وشرطته بأقسامها ومراكزها، وإنما همّه تأمين مصالح الدولة بين أبناء هذه الأقلية.

لومي اتجاه أردان وزمرته أخذ يتراجع كلما فكرت بدور القيادات السياسية القطرية الفعالة على هذا الموضوع وعلى رأسها قيادة لجنة المتابعة، منتدى السلطات العربية، وأعضاء الكنيست العرب الذين طالما لوّحوا بأهمية هذا الموضوع وكأنه على رأس سلم أفضلياتهم، في حين ما نشهده على أرض الواقع هو تعدد وتزايد جرائم القتل والعنف على يد هذه العصابات، فأصبحت ساحات القتل وبيوت العزاء مسارح سياسية لتصريحات إعلامية فارغة.      

انعدام الاهتمام عند القيادة الإسرائيلية وعدم المبالاة عند القيادة العربية القطرية دفعني إلى التفكير بدور القيادات السياسية المحلية وإمكانياتها في تأمين الأمن والاستقرار لأبناء بلدتهم أمام هذه العصابات، لترسم الفكرة ابتسامة استهزاء خاطفة في قلب المسيرة الحزينة وراء النعش، وكأنني لا أعرف الحقيقة، وكون الأغلبية الساحقة من هذه القيادات إما على علاقة وطيدة مع هذه العصابات وتخدمها من أجل مصالحها السياسية، وإما لها أيادٍ مباشرة في تشغيل أفراد منها، متسائلا فيما إذا كانت القرابة الجغرافية بين المجالس المحلية والمقابر في بلداتنا العربية كما هو الحال في شفاعمرو، هو البرهان الأكبر على أن لا حياة لمن تنادي في كلا المكانين، لأعود مستسلمًا إلى خاتمة درويش المميزة حول أسباب الوفاة وأضيف: وإن لم تُقتَل رميًا بالرصاص في بلداتنا العربية على يد العصابات المنظمة فستموت على أثر وجع الحياة.