[x] اغلاق
الصحافة “سلطة رابعة” ولكن ليس في المجتمع العربي
8/5/2019 10:02

الصحافة سلطة رابعة ولكن ليس في المجتمع العربي

الإعلامي أحمد حازم

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) قامت مشكورة بالإعلان عن يوم الثالث من مايو/ أيار يوماً عالمياً للصحافة، وهو يوم لتذكير الحكومات بواجب احترام الصحفيين وحرية الصحافة وحرية الرأي كما ورد في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي يقول: (لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية)، قد يطبق مضمون المادة امذكورة في بعض الدول، ولكن ليس في كل الدول ولا سيما في دول العالم الثالث وبينها الدول العربية.

قرأت خبراً في موقع الإذاعة البريطانية (بي بي سي نيوز)  في الرابع من الشهر الحالي، يتحدث عن مقتل 95 صحفياً العام الماضي خلال القيام بواجبهم الإعلامي، أو بسبب التعرض لعمليات اغتيال أو قتل متعمد كما حدث مع الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، الذي تقول المعلومات أنه قتل  في قنصلية بلاده في اسطنبول على يد أبناء جلدنه لأنه معارض للنظام.

هذا الخبر يذكرني بصفة "مهنة المتاعب" التي تحملها الصحافة لكنها، في الوقت نفسه تسمى "السلطة الرابعة" في الدول التي تحترم هذه المهنة أي في الدول الديمقراطية التي تلعب الصحافة فيها دوراً بارزاً في الحياة السياسية، لأن الدول الدكتاتورية لا يمكن أن يكون فيها حرية صحافة واحترام الرأي والرأي الآخر.  حتى أن الرئيس المصري أنور السادات تفتقت عبقريته ووصف  الصحافة بــ "صاحبة الجلالة" رغم أن الصحافة في عهده لم تكن أبداً سلطة رابعة أو صاحبة جلالة، لأن سياسته كانت تتميز بقمع كل صحفي يخالفه الرأي.

يوم الثالث من مايو/أيار مر على وسائل الإعلام العربية عندنا، مثله مثل غيره من الأيام دون الإشارة إليه لا من قريب أو من بعيد ودون الحديث عن أهميته وأهمية الدور الذي تلعبه الصحافة في المجتمع، وأقصد هنا الصحافة الراقية التي تحترم نفسها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل وسائل الإعلام العربية عندنا لا تعرف يوم الصحافة أي لم تسمع عنه، أم أن الثالث من مايو/أيار غير حدير بالإهتمام بالنسبة إليها؟ أم أن عدم التطرق إليه مجرد "نسيان" فقط ، وجل من لا يسهى؟

نقابة الصحفيين الألمان (فير دي) التي أحمل بطاقتها منذ سنوات طويلة، تقدمت بطلب للإتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) ومقره بروكسل لأصبح عضوا فيه، وتم الموافقة على الطلب، وأذكر أن  مسؤول العلاقات الدولية  في النقابة الألمانية، قال لي عند تسليمي بطاقة العضوية الدولية:" الآن أيها الزميل، العالم الديمقراطي الحر إلى جانبك ما دمت مخلصاً ووفياً لمباديء المهنة وتتبنى الحقيقة والمصداقية والمهنية في عملك". (للمعلومة فقط: لا يجوز لأي صحفي الإنتماء للإتحاد الدولي للصحفيين إلا عن طريق الإتحاد المحلي الذي ينتمي إليه الصحفي شرط أن يكون هذا الاتحاد معترف به من قبل الإتحاد الدولي للصحفيين).

والآن، وبعد مرور سنين عديدة تعود بي الذاكرة إلى ما قاله الزميل الألماني، وأقارن بين كيفية ممارسة مهنة الصحافة في المجتمعات الأوروبية وممارستها في مجتمعنا العربي، فأجد نفسي مضطراً إلى الإعتراف بعدم وجود مكانة مرموقة لـ  "صاحبة الجلالة" في مجتمعنا وهي ليست "سلطة رابعة" أيضاً أو حتى سلطة عاشرة أو أي سلطة، مع علمي اليقين بوجود قلة قليلة من الصحفيين الصادقين، ووسائل إعلامية (مهنية) لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد. فكيف يمكن لوسيلة إعلامية أن تكون  مهنية بشكل صحيح وتطلب مراسلاً تشترط أن يكون عنده سيارة بدون إشارة إلى المستوى المهني. أليس ذلك معيباً؟ وعندما يكون صاحب المؤسسة الإعلامية جاهلاً  في مهنة  الصحافة ويستخدمها فقط كـ "سوبر ماركت" فماذا ستكون النتيجة؟

أعتقد بأن "صاحبة الجلالة" لو استطاعت ذرف الدمع على الحالة  التي أوصلها إليها جهلة الصحافة لفعلت ذلك، وهؤلاء الجهلة المسيئين للصحافة ، لا بد أن يأتي اليوم الذي سيسقطون فيه أمام  "جلالة الكلمة".