[x] اغلاق
السوقية والإبتذال في المسلسلات التلفزيونية في رمضان
15/5/2019 7:59

السوقية والإبتذال في المسلسلات التلفزيونية في  رمضان

الإعلامي أحمد حازم

ذات مرة، قال لي صديقي المخرج اللبناني المعروف  رفيق حجار، خلال حديث جرى بيننا في القاهرة حول المسلسلات التلفزيونية الرمضانية، أنه غير راض كلياً عما يعرض في الشهر الفضيل من برامج ومسلسلات فاضحة. وبالرغم من أن المخرج حجار كان يشغل منصباً مرموقاً في مؤسسة تلفزيونية سعودية لها دور في إنتاج بعض المسلسلات وشراء بعض آخر، إلا أنه لم يستطع إقناع إدارة المؤسسة بأن غالبية ما تنتجه وما تعرضه المؤسسة لا يتلاءم أبداً مع خصوصية وقدسية الشهر الفضيل. وأخبرني حجار صراحة بوجود سياسة معينة هادفة من وراء الإنتاج والعرض للبرامج والمسلسلات، والموضوع أكبر بكثير مما يتصوره المشاهد والناقد. ولذلك لم أستغرب أبداً، انه رغم الإنتقادات الكثيرة لما يعرض على الشاشة الصغيرة خلال شهر رمضان، لم تتراجع شركات الإنتاج أو الجهات العارضة للمسلسلات عن موقفها من الإستمرار في بث أعمل درامية لا تتناسب مطلقاً مع الشهر الفضيل.

يبدو بكل وضوح، أن شركات الإنتاج التلفزيوني، أصبحت تعتبر شهر رمضان موسما سنوياً يجب استغلاله والإستفادة منه، وكأنه موسماً سياحباً دون الأخذ بعين الإعتبار نوعية ما يقدم للمشاهد ودون الإعتبار  لخصوصية وروحانية هذا الشهر الفضيل. الدراما التلفزيونية تدخل بسهولة كل بيت عربي، وعشرات الملايين العرب يشاهدونها لأن التلفزيون موجود في كل بيت عربي ولذلك له أهمية كبيرة. في الماضي كان الناس في شهر رمضان يشاهدون مسلسلات تاريخية تحكي عن أحداث مرت بها الأمة الإسلامية، وكنا نشاهد دراما تعالج مشاكل اجتماعية وتروي حياة أبطال في التاريخ الإسلامي. فأين اختفت مثل هذه المسلسلات. ما نعيشه الآن وما نشاهده على غالبية الفضائيات العربية كم كبير من الدراما التلفزيونية تتصف  بالعنف والسوقية والابتذال وما يثير الغرائز.

يقول الكاتب عربي إيهاب حمدي/"إننا نطمح كمواطنين عرب، أن يجتهد كتابنا الأفاضل في تقديم نصوص درامية هادفة تضع أمام أعينها المشاهد العربي الراغب في الثقيف المستنير، ولا يأتى ذلك إلا من خلال الحرص الشديد على تقديم دراما تعالج الظواهر والسلوكيات، وتربط الأجيال الحالية بماضيها التليد وحاضرها المشرق والتي تحمل في مضمونها الأبعاد الأسرية والاجتماعية والدينية".

نعم،المجتمعات العربية بحاجة ماسة لمسلسلات تلفزيونية رمضانية  تعالج حياتنا الإجتماعية وتحكي عن تاريخنا. ويتساءل أحدهم بحق: أين البرامج الرمضانية التي "تتحدث عن دمج الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة في البيئة المحيطة، والتنبيه من خطر أصدقاء السوء وكل ما يضر بالمجتمع والأسرة في حبكة درامية شيقة وممتعة".

ولا شك أن نوعية ما يقدم للمشاهد العربي يعتمد على أمرين: اولهما شركات الإنتاج، وثانيهما نوعية المادة. فشركات الإنتاج هي اللاعب الأساس لأنها الممول الرئيس  للعمل، وبإمكانها تحديد نوعية ما ينتج بمعنى أن تكون هناك لجنة مختصين تقرر ما يجب أن ينتج من أعمال. وأما بالنسبة للمادة المقدمة للمعالجة أي للتصوير، فإن كانب المادة يتحمل مسؤولية ما يكتب  وما يهدف من وراء كتابته. وبالتالي فإن الثنائي (الكاتب والمنتح) هما أساسان في عملية تقديم ما يعرض.

إذا كانت الأعمال الدرامية التلفزيونية مبتذلة، فلماذا يتم الموافقة على إنتاجها وعرضها للمشاهد؟ ولماذا لا يطلب من كتاب هذه الأعمال الإبتعاد عن الإبتذال وكتابة مسلسلات رصينة وليست بذيئة. لكن ما يحدث هو العكس تماماً: مزيد من الأعمال السوقية وهذا يعني تشجيع لمثل هذه الأعمال وفرضها على المشاهد العربي وهذا طبعاً أمر له أهداف معينة. طبعاً أنا لا أنكر وجود محطات تلفزيونية بعيدة كل البعد عن هذه السخافات، صحيح أنها فضائيات قليلة،لكنها تحاول قدر الإمكان تقديم ما يليق بأيام رمضان.

المتلقي هو دائماً ضحية لأنه مجبرعلى مشاهدة ما يقدم له، والخطير في الأمر أن المسلسلات المبتذلة والبرامج دون المستوى الثقافي تحظى باهتمام الشباب الذي يشكل نسبة عالية في المجتمعات العربية. هناك الكثير جداً من القصص والروايات الإسلامية في تاريخنا، والتي ستحظى بأهمية كبيرة لو تم عرض أحداقها على الشاشة الصغيرة. وما قامت به شركات الإنتاج التركية من تقديم مسلسلات تاريخية إسلامية مثل مسلسلي أرطغرل والسلطان عبد الحميد، هو برهان على نجاح هذه المسلسلات، لا سيما وأن هذين المسلسلين حظيا باهتمام كبير من المشاهدين العرب. فلماذا لا تقوم شركات الإنتاج التلفزيوني العربية بتقديم أعمال مشابهة؟

نحن بحاجة إلى كتاب دراما يبحثون بعمق في التاريخ الإسلامي ويخرجوا بروايات وحكايات جوهرية، وأعتقد بأن تاريخنا مليء بهذه الأحداث المميزة، والتي ستلقى إقبالاً منقطع النظير لما فيها من عبر ودروس. فهل سيأتي اليوم الذي تعود به شركات الإنتاج إلى رشدها الإسلامي، وتطلب من كتاب دراما  تقديم روايات عن أحداث التاريخ الإسلامي المشرف، أم أنها ستظل في نهجها المسيء في غالبيته لرمضان طمعاً بالمال؟؟