[x] اغلاق
عام 2009 ... عام 2010../ هاني المصري
4/1/2010 14:39

لا بد أن نكسر جرة وراء العام 2009، فهو العام الأسوأ الذي مر على الفلسطينيين منذ عامي 1948، 1967. ففي هذا العام قدم الشعب الفلسطيني أكثر من ألف شهيد وآلاف الجرحى ومثلهم من الأسرى، وهو العام الذي خسرت فيه إسرائيل 15 قتيلاً فقط، معظمهم أثناء الحرب على القطاع، ما يعكس انخفاضاً كبيراً بعمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

كما شهد أضخم تنفيذ للمخطط الإسرائيلي لاستكمال تهويد وأسرلة القدس، وتكثيف الاستيطان، واستمرار الحصار الخانق لقطاع غزة، وقطعت إسرائيل فيه شوطاً مهماً على طريق استكمال بناء جدار الفصل العنصري.

إن أسوأ ما شهده العام المنصرم استمرار وتعمق الانقسام السياسي والجغرافي الذي لم يعد انقساماً سياسياً فقط، وإنما تغلغل في كافة مجالات الحياة الفلسطينية، بحيث تعمقت ظاهرة وجود سلطتين متحاربتين تقومان بانتهاكات متفاوتة لحقوق وحريات الإنسان الفلسطيني، رغم أنهما تعقدان، كل على حدة، هدنة مع إسرائيل، واحدة منهما من فوق الطاولة وبالترافق مع التنسيق الأمني، والثانية من تحت الطاولة، مع ان الأمن الداخلي قد تحسن في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.

العام 2009 كان أيضاً عام الصمود الفلسطيني وشهد أوسع حركة تضامن عالمي مع القضية الفلسطينية، كما ظهر من خلال الانتفاضة العالمية ضد الحرب الهمجية التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة وصولاً الى صدور تقرير غولدستون الذي مثل إدانة دولية غير مسبوقة لإسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين. وكان العام الماضي أيضا عام الشروع بالحوار الوطني الشامل، الذي لم ينجح.

وفي العام 2009 عقدت حركة فتح مؤتمرها السادس بعد عشرين عاماً على مؤتمرها الخامس وهو مثل خطوة أولى في مسار طويل نحو النهوض بحركة فتح، وتم في هذا العام ترميم منظمة التحرير من خلال عقد جلسة خاصة للمجلس الوطني لاستكمال نصاب اللجنة التنفيذية دون أن يؤدي ذلك الى إصلاح وتطوير المنظمة، فقد بقي كل شيء على حاله ما عدا التوسع في استخدام مؤسسات المنظمة لخدمة الأغراض السياسية للقيادة الفلسطينية من خلال عقد اجتماعات لمباركة ما تقرره دون أي تقدم على صعيد استعادة الدور القيادي للمنظمة، ولا على طريق وضع آلية علمية جماعية لصياغة القرار الفلسطيني رغم الخطأ ــ الفضيحة المتمثل بتأجيل إقرار تقرير غولدستون في المجلس العالمي لحقوق الانسان، وما أدى إليه ذلك من انتفاضة في الرأي العام الفلسطيني ضد هذا التأجيل أدت الى التراجع عنه وإعادة عرضه على المجلس وإقراره، وعلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرته بأغلبية كبيرة.

وشهد العام أيضاً إقرار خطة الحكومة "لإنهاء الاحتلال وبناء مؤسسات الدولة" التي تمثل تغييراً جوهرياً بالسياسة الفلسطينية كونها تضمنت جوانب إيجابية لجهة التركيز على المبادرة الذاتية وتحديد سقف زمني، لكنها أعطت الأولوية لبناء المؤسسات واثبات الجدارة للحصول على الحقوق بدلاً من التركيز على إقرار الحقوق أولاً ودون اهمال تفعيل أداء المؤسسات الضرورية. ورغم أهمية وخطورة هذه الخطة، ورغم إقرارها من الحكومة منذ خمسة أشهر لا تزال خطة للحكومة فقط، ولم تصبح خطة وطنية شاملة، إذ لم تطرح على اللجنة التنفيذية للمنظمة ولم تقر ولم تعدل ولم ترفض، رغم أنها أثارت اهتماماً دولياً ملحوظاً.

أهم ما حدث في العام 2009 هو تراجع إدارة اوباما عن وعودها بتجميد الاستيطان والإعلان الرسمي الفلسطيني اثر ذلك على وصول المفاوضات الى طريق مسدود، والاعتراف بأن مسيرة العملية السياسية لم تحقق شيئاً طوال الثمانية عشر عاماً الماضية. وهذا متغير مهم جداً، لأنه يدل على أنه بات هناك اجماع فلسطيني على فشل الطريق الذي سرنا به، ويمكن أن يتحول، إذا توفرت الإرادة اللازمة، الى اجماع على الطريق الجديد الذي يجب أن نسير فيه.

لقد أدى فشل طريق المفاوضات والمحاباة الأميركية لإسرائيل وأسباب أخرى، الى إعلان الرئيس عن عدم رغبته بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وهو أمر من المفترض أن يطرح على جدول الأعمال مسألة البديل السياسي والشخصي لأن النية بعدم الترشح دون البحث عن البديل تكرس حالة الجمود التي يمكن أن تستفيد منها إسرائيل بالادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني.

ومن أسوأ ما شهده العام المنصرم، إقرار تجاوز الموعد الدستوري لإجراء الانتخابات فهذا الموعد لم يحترم جراء استمرار الانقسام وعلى أساس أن الوفاق الوطني شرط لإجراء الانتخابات، لأن فلسطين تحت الاحتلال، ودون وفاق وطني، الانتخابات ستكرس الانقسام.
يطل العام 2010 يحمل تركة ثقيلة لا تدع مجالاً واسعاً للتفاؤل.

إن مفتاح خروج الفلسطينيين من مأزقهم الشامل في علاقاتهم مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي علاقاتهم الداخلية، يكمن في بلورة استراتيجية جديدة وبديلة تستخلص الدروس والعبر من فشل الاستراتيجية المعتمدة، والتي لا تزال لم تغادر الساحة السياسية رغم الاعتراف الجماعي بفشلها.

إن الاستراتيجية الجديدة ليست مطالبة بتغيير الأهداف التي طرحت منذ مبادرة السلام الفلسطينية وإعلان الاستقلال، وإنما مطالبة بتغيير المسارات التي اتبعت لتحقيق الأهداف الوطنية.

* لا بد من التخلص مرة واحدة والى الأبد من وهم أن الحل على الأبواب وأن الدولة على مرمى حجر، فالحل الوطني بحاجة الى تغيير ميزان القوى المختل بشدة لصالح إسرائيل.

* إن اعتماد المفاوضات الثنائية كأسلوب وحيد لحل الصراع فشل فشلاً ذريعاً، ولا بد من تغييره على عدة مستويات وأصعدة، من خلال ضرورة الجمع بين المفاوضات والمقاومة، ووضع أسس ومعايير ومرجعية واضحة للمفاوضات، والتأكيد على أهمية الإطار الدولي والدور الدولي الفاعل بالمفاوضات.

* إن اهمال البعد العربي والدولي للقضية الفلسطينية مثّل خطأً فادحاً منذ توقيع اتفاق اوسلو وحتى الآن ويجب التراجع عنه، سواء إذا استؤنفت المفاوضات أو لم تستأنف.

* إن سياسة الاعتراف الأحادي بإسرائيل، ونبذ "العنف" والتقيد بالاتفاقات والالتزامات من جانب واحد، يجب الاقلاع عنها تماماً ليحل محلها مبدأ التبادلية والندية والتزامن.

* إن الوحدة ضرورة وليست خياراً من الخيارات السياسية، وبالتالي يجب أن يحتل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أسس وطنية ديمقراطية تحفظ التعددية والتنوع الأولوية الحاسمة في الاستراتيجية الجديدة.

* إن إعادة السلطة الى مكانها الطبيعي في النظام السياسي الفلسطيني شرط لا غنى عنه لانتصار المعركة الوطنية الفلسطينية، وهذا يقتضي تغيير شكل ووظيفة السلطة وأولوياتها.

* إن "م .ت.ف" أهم انجاز حققه الشعب الفلسطيني ولا بد من اصلاحها وتطويرها وإعادة تشكيلها بحيث تضم كافة أطياف العمل السياسي والاجتماعي الفلسطيني، وعلى أساس استراتيجية وطنية قادرة على توحيد وتمثيل الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه.

إن الانتظار، لا يحل شيئاً، ولن تهبط معجزة من السماء، فنحن في زمن لا تحدث فيه المعجزات، فإذا لم نحسم أمرنا، ونضع الخطط الكفيلة بتحقيق أهدافنا، ونقوم بما يلزم لن ينقذنا أحد.

إذا أمسكنا زمام المبادرة لحل قضيتنا بأيدينا سيكون العام 2010 بداية مسيرة الخلاص العظيم.

أما إذا أعيد انتاج كل الأخطاء والسياسات السابقة، واستمر الانقسام فعلى الشعب الفلسطيني وقضيته السلام.
في فترة الأعياد وذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، نقول: عيد ميلاد مجيد، وسنة جديدة سعيدة وكل عام وأنتم بخير. الإرادة الواعية تفعل المستحيل!!