[x] اغلاق
لذكرى رحيل سليم قسّيس (أبو سالم) لن ينضَب نبع إنسانيَّته
11/12/2019 10:54

لذكرى رحيل سليم قسّيس (أبو سالم)

لن ينضَب نبع إنسانيَّته

بقلم: مارون سامي عزّام

مصارعة القدر لا تنتهي، لكنّها تبقى مختبئة خلف ستار الزّمن، إلى أن تظهر النّتيجة الحتميّة المؤلمة إلى العلن بقسوة، ليُغَيِّبَ الموت فجأة، الرّاحل سليم قسِّيس، وهو في قمّة انشغاله في تخطيط حياته العمليّة... لم يتخلَّ أبا سالم يومًا عن خلية نشاطه التي لم تكِل، بل بقي وفيًّا لها، إكرامًا لشفاعمرو التي قدّرته اجتماعيًّا وإنسانيًّا، وإجلالاً للمجتمع العربي الذي كرّم عطاءاته. كانت المشاركة في مراسِم التشييع مهيبة، لكَون الرّاحل أيقونة تسامح، تُشِعُّ احترامًا وأدبًا، لمع بريقها في شفاعمرو والمنطقة.

الرّاحل أبو سالم، لم يكُن فقط شاعرًا شعبيًّا، بل كان أيضًا رجلاً شعبيًّا في علاقاته الاجتماعية المتعدّدة، سواءً مع جيرانه أو أهل بلده، دمِثًا... مشاركًا فعليًّا في أي مناسبةٍ سواء كانت قريبة أو بعيدة... مُضَحِّيًا رياضيًّا في سبيل إعلاء مجال كرة القدَم، كان هذا التَّحدّي ملعبه الخاص، فاعتبر نفسه لاعبًا في صف الدّفاع عن فريق شفاعمرو، رغبةً منه في إحراز هدف التطوّر في مرمى طموحاته... تواضعه الإنساني منحه رتبة اجتماعية قُطريَّة خاصّة، قرّبته من قضايا مجتمعه عامّةً وأهل بلده خاصّةً، الذين آلمهم كثيرًا هذا الرّحيل المبكِّر، كما آلمني أنا شخصيًّا.

ربطتني بعائلة آل قسِّيس، علاقة اجتماعية طويلة الأمد، قبل أن يربطني الإبداع الأدبي بالرّاحل، وكان يتقبّل منّي بعض الملاحظات، برُوحٍ عالية غير متعالية، هذه أهم صفات المبدع الحقيقي، وقد تحلّى بها الرّاحل. تألّق شعره، باللهجة المحكية، وببساطة المفردات التي أحبّها النّاس، كما عكست طيبة قلبه وعفويّة مشاعره المتعاطفة حسيًّا مع أي حدث.

شيء آخر ميّز الرّاحل، أنه كان يستقبل جميع من قصَدَ بيته بحفاوة، وأحسَنَ ضيافته... لأنه من عائلة تحب حُسن المعاشرة، وإضفاء روح الدّعابة، التي كانت تأشيرة الدخول لقلوب النّاس... ما زلتُ أذكُر عندما جاءني شقيقه الأصغر الصّديق نادر، أبو ربيع، إلى المنزل بطلب خاص، بأن أرافقه لمنزل الرّاحل، لأكتب بخط يدي أسماء المدعوّين على مغلّفات عرس نجله البِكر سالم، على ما أذكُر.

لم أتوانَ بتلبية الدّعوة، واستقبلتني عائلة أبو سالم بحبٍّ وترحاب، لأنه ربطته بعائلتنا علاقة خاصّة جدًّا. شدّة تفانيه في عطائه، منحه برأيي ميداليّة "العمل بلا كلل" منذ زمن طويل، نالها باستحقاق، لأنه أحبّ الحياة العامّة، التي منحته طاقة العمل الجماعي... منطلِقًا بقوّة في ميدان الخدمة، ليخلق حالة من النّشاط البلدي في شفاعمرو والمنطقة... هذا هو نبع الأمانة الذي روانا منه الرّاحل، إلى أن اصطدم الموت بمركب عمله، الذي سار على دواليب الهمّة، التعاون والمثابرة، فأنزله في هاوية الآخرة... عزائي الحار لأسرته.