[x] اغلاق
إستحالة تطبيق العدالة في بلد قانون القومية
26/12/2019 8:32

إستحالة تطبيق العدالة في بلد "قانون القومية"

الإعلامي أحمد حازم

كل مهنة معروفة عالمياً لها شعارها الخاص، فعلى سبيل المثال الأطباء في العالم لهم شعار واحد وهو عصاً يلتف عليها ثعبان. أما القضاء فشعاره الميزان، الذي يرمز إلى الحكم بعدالة دون تمييز. لكن "الميزان"، شعار العدالة، لا يمكن أن ينطبق على القضاء في إسرائيل فيما يتعلق بالأحكام ضد الفلسطينيين.  صحيح أن القوانين هي نفسها، لكن عملية  تطبيفها تميز بين اليهودي والعربي.

القضاء في كل دول  العالم له مكانة مميزة وسمعة حسنة، لأن الناس يلجأون إلى القضاء طلبا للعدالة، التي من المفترض أن تكون عنواناً لكل حاكم وكل قاض. لكن القضاء في إسرائيل يختلف كلياً عن كل قضاء في العالم، لأن المحاكم  تصدر الأحكام حسب جنسية المواطن. فإذا كان الجاني يهودياً متهم بقتل عربي عمداً مع سابق إصرار، فإن حكمه يختلف بفارق كبير عن حكم عربي أقدم على قتل يهودي دفاعاً عن النفس، والأمثلة كثيرة على ذلك.

محكمة هزلية جرت لمحاكمة الجندي الإسرائيلي القاتل ليئور أزاريا، الذي قتل الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف عمداً في مدينة الخليل. القاتل ارتكب جريمته بكل برودة دم ودون وازع ضمير بسبب العنصرية والكراهية والحقد.  الشاب الفلسطيني الشهيد ابن العشرين عاماً، أصابه رصاص جنود الجيش الإسرائيلي فوقع أرضاً ودمه ينزف. وبدلاً من تقديم الإسعاف له ونقله لمستشفى قريبة بدافع إنساني، أقدم الجندي أزار على  قتل الشاب الفلسطيني عمداً ــــــ  كما أظهرت الوثائق وأقوال شهود عيان ـــــ وذلك بتوجيه سلاحه على الشاب وهو ملقى على الأرض ينزف وإطلق الرصاص على رأسه فأرداه قتيلاً.  

منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية وثقت جريمة إعدام الشهيد الشاب بـ (فيديو) أثار موجة غضب محلية ودولية، وانتقادات واسعة حتى في الإعلام الإسرائيلي ولدى المنظمات الحقوقية. كما أظهر الفيديو  حقيقة ما يجري من إعدامات ميدانية من قبل جنود إسرائيليين دون سبب بحق شبان وفتيات على نقاط التماس.

منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية قالت إن هذه القضية تكشف عن استخدام مفرط للقوة من قبل الجنود الإسرائيليين واتهمت المجرم أزاريا بالقتل دون سند قانوني. حتى أن محققين في الجيش الإسرائيلي، وحسب إذاعة بي بي سي البريطانية ذكروا إن أزاريا قال لزميل له قبل أن يفتح النار على الشهيد الشاب إن الجريح يستحق الموت.

من شاهد القاتل أزاريا كيف يتجول في قاعة المحكمة وهو يبتسم ويصافح أصدقاؤه، وكيف يتصرف وكأنه في قاعة أفراح،  ومن شاهد الطريقة التي دخل فيها القاتل إلى القاعة ليأخذ مكانه إلى جانب ذويه، يلمس بكل وضوح عدم الجدية والاستهتار بحجم الجريمة التي ارتكبها الجندي القاتل.  ومن رأى مجرى المحاكمة يتأكد فعلاً أننا أمام مسرحية ساخرة، وأن  القضاء الإسرائيلي في واد والعدالة في واد آخر. فكيف يعقل أن تصدر محكمة حكماً على قاتل إنسان بالسجن 18 شهراً فقط  ارتكب عمله الإجرامي عمداً؟

التفسير واضح تماما: لأن القاتل جندي يهودي والمقتول عربي. ولو كان الأمر عكس ذلك أي أن عربياً أقدم على قتل يهودي فإن بيت عائلة العربي يتم هدمه فوراً إضافة إلى  حكم المؤبد عليه.  وكيف يمكن لقضاة أقسموا على الحكم بالعدل أن بصدروا حكماً جائراً بالسجن ثلاث سنوات على شاب فلسطيني لأنه رمى سيارة عسكرية بحجر؟ لكن مثل هذه الأسئلة لا فائدة من طرحها، لأن القضاء في إسرائيل يتعامل مع العربي على أساس سياسي.

الجندي الإسرائيلي القاتل ارتكب عملية القتل لأنه يعرف تماماً أن قادته العسكريين ومرجعيته السياسية يقفون وراءه ويدافعون عنه. وهذا يعني أن القادة العسكريين هم الذين يحرضون على قتل الفلسطينيين ويصدروا التعليمات بتسهيل عمليات إطلاق النار عليهم. وهناك الكثير جدا من عمليات قتل ارتكبها جنود إسرائيليين بحق العرب، دون أن يصدر على مرتكبيها أحكاماً فعلية وليس هزلية. ان عملية اعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف، وهو مصاب وملقى على الأرض بدم بارد ومن دون اي مبرر هي دليل على أن الجندي الإسرائيلي يعدم الفلسطيني انطلاقاً من عنصرية متأصلة فيه ورغبة منه في اراقة الدم الفلسطيني.

المطلوب من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، التعامل بجدية مع مثل هذه المحاكمات الصورية، والوقوف بحزم أمام الجرائم بحق المواطنين الفلسطينيين، وتحمّل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية إزاء الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطيني.

على أي حال، لا يمكن وجود عدالة لدولة صنعت لنفسها قانوناً خاصاً لفئة من مواطنيها أسمنه "قانون القومية". سنة جديدة سعيدة وكل عام وشعبنا الفلسطيني بخير