[x] اغلاق
مسرحية قصيرة:المليارات
30/12/2019 8:14
مسرحية قصيرة:المليارات
هادي زاهر- فلسطين
اتفق حسين.. احمد.. معروف.. وبطرس على الاستمرار في تقاسم ثروة البلاد فيما بينهم، وكان احمد قد اقام عزبة في ارض يملكها، نائية عن المناطق السكنية، تقع على قمة جبل شاهق يشرف على كل الجهات، يظهر من هناك جمال الطبيعة الذي يسحر العقول ويأسر النظر، حيث رؤوس الجبال تعانق الغيوم والجداول تمر بين المنحدرات في طريقها نحو الشعاب إلى أعماق الأرض، تروي في مسارها النباتات التي تكسي الأرض وأشجار الأرز الباسقة التي تشحن النفوس بالبِشر.
 
بعد تحديد الموعد، وصل كل بمفرده إلى العزبة كما تقتضي اللعبة، فمن المهم جدًا بان يعتقد الناس بان هناك خلافات كبيرة بينهم لا يمكن ان تسويتها.
 
 وعند اللقاء ترجمت قسمات وجوههم مدى اشواقهم المتدفقة لبعضهم البعض، وبدأت حلقات العناق المتواصلة تعكس مدى عمق العلاقات الحميمة التي تربط بينهم، بعد حلقة العناق أخذ كل مكانه حول طاولة مستديرة تتوسط العزبة، عامرة بالمشروبات الروحية وبكل ما لذ وطاب، ما عدا معروف الذي لم يجلس واخذ ينظر بعيدًا وهو يتأفف ويصر على اسنانه، انتبه الزملاء إليه وقال أحمد: تفضل بالجلوس.
 
حسين: (لمعروف) ما لي اراك متوترًا
 
معروف: انظروا إلى هناك (وهو يشير بإصبعه) إلى جهة الجنوب شرقًا، تشاهدون هذه المروج.
 
بطرس: ما لها؟
 
معروف: لقد كانت لنا ولكن الوالد قام بتوزيعها على الفقراء.
 
بطرس: والدكم المرحوم كان شخصية استثنائية.. كان كامل الاوصاف وكان اشتراكيا بكل صدق وبكل معنى الكلمة رحمة الله عليه ، لذلك قام بما قام به.
 
معروف: (يبتسم) وانا ايضًا اشتراكي، أشارك الناس لقمة خبزهم  اليومية (ويضحك)
 
بطرس: لا تبكي على كأس الحليب الذي سكب على الأرض، فلك ما لنا من مليارات، كن قنوعًا، ثم اننا حضرنا إلى هنا كي نضع خطط لشفط ما تبقى في جيوب الناس.
 
احمد: تفضل يا معروف واجلس.. اجلس. نصف المية خمسين.
 
معروف يتقدم نحو الطاولة ويجلس، وبعد ان هدأت الأجواء قليلًا، اخذوا يتناولون المكسرات وسط مسامرات ومزاح ولكنهم احتاروا اين يرمون القشور.
 
 أحمد: (ينتبه) نحن لسنا في مضافة بيتية، يمكنكم رمي القشور على الأرض فهناك من سيقوم بتنظيف الأرضية صباحًا، فلا تحملوا همًا.
 
 وما هي إلا لحظة حتى ارتفع رنين الكؤوس.. اخذ كل يدق كأسه بكأس زميله مرفقًا ذلك بالقول: في صحتك.
 
 حسين: (رشف رشفة وصدم كأسه بكأس بطرس بلطف) في صحة شعبنا الطيب المسكيييين.
 
بطرس: (بدوره لطم كأسه بكأس احمد وأضاف) في صحة شعبنا (وهو يرفع صوته) الغبي.
 
احمد: (لطم كأسه بكأس معروف) بل في صحة كلابنا السلوقية (ثم ضحك بصوتٍ عالٍ) ههههههههه.
 
بطرس: يبدو أن المشروب اخذ دوره عميقا فيكم، فأرجو التوقف عن الاحتساء كي لا نخسر أحدنا في حادث طرق عند العودة إلى بيوتنا.  
 
حسين: آن الأوان ان يدور حديثنا حول الامر الذي قدمنا من اجل مناقشته.
 
احمد: فعلًا يجب ان نعرف كيف نزيد ثروتنا.  
 
بطرس: علينا أن نظهر العداء الشديد فيما بيننا كي نتقن اللعبة، ويعتقد أهلنا باننا على خلاف شديد.
 
معروف: واضح تماما، ولا بأس إذا سب واحدنا الاخر، من تحت الزنار (وهأهأَ وهو يطوي ظهره إلى الخلف) هههههه، المهم أن نلعب كل في عشيرته كما يلعب الطفل بالمعجونة.
 
حسين: يا زلمي خليها كما يركل اللاعب بالطابة في لعبة كرة القدم.
 
احمد: على فكرة، هل رأيتم كيف استطاع محمد صلاح أن يركل الكرة بكاحله ويحرز الهدف.
 
حسين: انه يملك موهبة خارقة.
 
معروف: موهبة قل مثيلها، انه يُراقص اللاعبين ويتخطى كل العراقيل ويودع الكرة بحبكة فنية رائعة داخل الشباك.
 
احمد: انه يجيد اللعب بمختلف الأساليب التي تجعل الخصم يقع في ارتباك.
 
حسين: انها موهبة من عند الله، وهو يرفع رأس الامة قاطبة.  
 
بطرس: (يرفع صوته) دعونا من الحديث الجانبي، يجب ان نركز الحديث حول المهمة التي نجتمع بشأنها، واعتقد ان علينا أن نتقن الخطاب، الذي يجب ان نوحده، شريطة ان نتلعب بالكلمات لتكون قريبة من القلوب أهلنا الاحباء.
 
أحمد: ماذا تعني.. جميعنا يدرك ما عليه ان يفعل.
 
بطرس: يعني من الممكن لمعروف ان يقول بان لعشيرته الدور الأكبر في تحرير بلادنا من الاستعمار الفرنسي، لذلك يحق لها أكثر مما يحصل عليه، وانا.. بدوري أُثني على دور عشيرتي في النهضة العربية، الفكرية والأدبية، ولحسين أن يتغنى دائما بالدور الكبير في طرد المجرمين الصهاينة من بلادنا.
 
حسين: (مبتهجا ولقد دغدغت كلمات بطرس مشاعره) كانت أطماع الصهاينة في ارضنا وكما طلبها خنزيرهم "بن غريون" من "بلفور" حتى نهر الليطاني على أساس ان لا تكون حدودهم الزائلة بإذن الله في فلسطين، متعرجة، ولولا المقاومة الباسلة كانوا قد استوطنا هناك واقاموا مستعمراتهم كما فعلوا في الضفة الغربية.
 
معروف: فعلًا القوة بحاجة إلى القوة ولا مكان للضعفاء في هذا العالم.
 
بطرس: أطماعهم لا حدود لها، وهم لا يشبعون ولا يقنعونهم، يريدون العصفور وخيطه.. البير والعطاء، الأخضر واليابس، وقد ازدادت شهيتهم بسبب التخاذل العربي المخجل والحقير.
 
معروف: قالوا لفرعون من فرعنك فأجاب لم أجد من يصدني.
 
حسين: فعلا هذا صحيح وهم اليوم يعتدون على مسرى النبي صلى الله عليه وسلم (ويرفع صونه) يوميًا (يصمت قليلا، ويتفرس في وجوه الحضور يكمل ) وقد قال رئيس وزراء سابق للكيان الصهيوني يسحاق شامير، ان الحدود الحالية تكفي الجيل الحاضر والجيل القادم بحاجة إلى حدود أخرى، كما قال احد جنرالاتهم لدينا خطة جاهزة لتهجير العرب من فلسطين وننتظر مأساة عالمية بحيث تنشغل البشرية لنقوم بتنفيذ الخطة ، وهم يريدون التخلص من القضية الفلسطينية بواسطة قلب نظام الملك الهاشمي، كل ذلك يحدث وعملية التطبيع مع الكيان الصهيوني جارية على قدم وساق.
 
معروف: (وهو يضحك) ووسط.. فعلا ان هذا الجسم الغريب الذي زرعه الاستعمار في وطننا، هو الكيان الوحيد على وجه الأرض الذي لم يقر لنفسه دستورًا.
 
بطرس: دعنا نركز حديثنا على ما حضرنا من اجله، يجب ان يتمحور النقاش حول الآلية التي يجب ان ننتهجها لنجاح الخطة.
 
معروف: دعنا نضحك قليلًا، نرطب الأجواء يا اخي، فيما العجلة.      
 
أحمد: (يعترض على كلام معروف) فعلا هذا ما يجب ان يكون، فخسارة على الوقت، اعتقد أن علينا ان ننمي ونعزز العصبية المذهبية والدينية، كي يكون من السهل جر مختلف السكان إلى مصيدتنا.
 
معروف: وه..وه.. حلوه هذه، مصيدتنا.
 
بطرس: ومهم جدا ان نتقرب من رجال الدين ونغدق عليهم الكثير من المال كي نحتمي بهم وقت الحاجة، فمنهم من هو دنيء ونهم للغاية، ويمكن ان يُشترى لأجل اصدار الفتاوى لصالحنا.
 
معروف: (يغني) ما احلاه يا وعدي (يقف ويأخذ بهز مؤخرته وهو يغني) ماحلاه.. ما احلاه.. ما احلاااااااه (يضحك الجميع على حركاته، يتوقف ويستمر في حديثه) واضح ما يقصده بطرس، على كل منا ان يوهم عشيرته بانها في خطر وجود، وان العشيرة الأخرى تريد أن تنهش لحمها، وبذلك يثير حمية أبناء عشيرته مما يدخل عشائرنا في حالة صدام دائم وعندها نجد الفرصة الذهبية لنتلعب بمقدرات شعبنا.
 
بطرس: وعلينا أن نضع سناريوهات لما قد يحدث كي نستدرك إذا استوجب الامر.
 
حسين: فعلا علينا أن نتصور ما قد يحدث ونوفر العلاج قبل ان تتأزم الأمور.
 
أحمد: إذا تأزمت جدًا، وسقط عدد من المواطنين، ندعو الناس إلى التعقل والتروي والمحبة ونقول اننا أبناء نفس الشعب ومن العار علينا ان نتقاتل لان مصلحة واحدة تجمعنا، ومصير واحد يجب ان يوحدنا من اجل مستقبلنا ومستقبل أولادنا والعيش الكريم في وطننا.
 
حسين: (بصوت عال) حيهم، هذا هو الكلام الصحيح.
 
أحمد: المهم النتيجة النهائية وليس من جمرك على الكلام.
 
بطرس: يمكن ان نقول أيضا ان هذه مؤامرة دولية امبريالية تبغي السيطرة على بلادنا. وندفع من بيننا إلى الخروج إلى الشارف ورفع شعارات مثل خسئ الاستعمار
 
معروف: (يقف، قد ظهر عليه تأثير المشروبات.. يرفع الكأس ويغني) ما بين رنين الكاااااااس ورنة الالحان.. افرح.. وربح (ويعود إلى هز مؤخرته) وعش بأمااااان
 
احمد: واسرح.. وامرح.
 
بطرس: واكسح.. وافلح بكل ما في الجزاااان.
 
حسين: في الخزااااان.. في الخزان أصلح من في الجزان.
 
وحلقة طويلة من الهزق، معروف يعود إلى الجلوس
 
احمد: (ينظر إلى معروف وقد علق بعض الطعام على شنبه) يا زلمي قصقص شنباتك بشكل فني، كي لا يعلق فيه بقايا الطعام.
 
حسين وهو يضحك: مالك ومال شنباته، شو رأيك كمان تفحص أيضا شعيرات، (يصمت قليلا ثم يهزق)
 
  بطرس: دعكم من المزاح، المهم القشطة.. القشطة يا جماعة.. علينا الاستمرار في استغلال طمع الدول في بلادنا، التي تزودنا حاليًا بكل ما هب ودب من أسلحة ومال كي نمنح الفتات من هذه الخيرات للسكان كل إلى المتنفذين في عشيرته، ونلهط منها حصة الأسد كما نفعل دائمًا.
 
حسين: وشفط ولهط ومعط
 
احمد: علينا ان لا نكتفي بذلك، يجب ان نبدع ضرائب جديدة، فكروا معي في ذلك.
 
حسين: فكرة ممتازة.  
 
بطرس: (يُسرع في موافقته على الفكرة) وجدتها.. وجدتها، اسمعوني جيدًا يا جماعة.
 
احمد: تفضل.. تفضل.
 
معروف دعنا نرى ماذا اخترعت، انت ابداعاتك خطيرة يا راجل( وقد تراقصت عيناه.. ويهز براسه رافعًا صوته)
 
بطرس: (يكمل) الجميع يعلم بان لا أحد يستطيع اليوم ان يستغني عن وسائل الاتصال الحديثة.
 
حسين: فعلا
 
بطرس: (يستمر في حديثه) فما رأيكم في ان نفرض ضريبة على الواتساب.
 
معروف: اشمعنا على الواتساب؟
 
احمد: (يصفر) ولله انت موهوب.. فكرة رائعة.. انا معك.
 
معروف: وانا معك( يهز برأسه رافعا صوته) معكم.
 
حسين: وانا معك
 
معروف: (يرفع الكأس) في صحة الاقتراح والمواهب الخارقة.  
 
حسين: ولماذا على الواتساب فقط.
 
بطرس: لان الزوجة او الابنة، إذا قامت بتنظيف بعض الاواني تعلم جارتها بذلك، ترسل لها رسالة على الواتساب، وإذا طبخت تصور الطبيخ وترسل الصور رسالة على الواتساب لتعلم القريب وكل صديقاتها وتقول بشكل مباشر وغير مباشر ان الطعام الذي أعدته بحاجة إلى شطارة وكان الله سبحانه وتعالى خلقها وكسر القالب، وإذا اعدت الزوادة لابنها تعتقد بانها قامت بعمل خارق وتقوم بتصوير الزوادة وكأنها عجيبة من عجائب الدنيا السبع.
 
احمد: صحيح.. وإذا مسحت الشباك.. تعلم أمها بذلك.  
 
حسين: (يضحك وهو يهتز) وإذا جاءتها الدورة الشهرية تعلم زوجها شو بدنا نعمل (وهو يتمايل) يا حبيبي (واثناء ذلك تسقط اللفة عن رأسه ينحني للمها، وهو يضعها على رأسه) انا مع هذه الفكرة لان في تنفيذها الكثير من الأوراق الخضراء.. يا سلام على الأوراق الخضراء.
 
احمد: بعد ناقص إذا الواحد دخل إلى المرحاض لقضاء حاجته، يعلم أعضاء مجموعته بذلك.
 
بطرس: (يرفع الكأس وهو يضحك) في صحة فكرة بطرس الرائعة وفي صحة الانسجام الا متناهي بيننااااااا (ويسمع صوت الاكف وهي تلتقي ببعضها البعض).
 
ويسدل الستار