[x] اغلاق
لذكرى رحيل دونيز سهيل نمّورة – عبّود سَــيِّدَة الأعـمـال الخـيـريَّة
5/2/2020 8:12

لذكرى رحيل دونيز سهيل نمّورة – عبّود

سَــيِّدَة الأعـمـال الخـيـريَّة

بقلم: مارون سامي عزّام

القدر رفيق حياة الإنسان، يرسم له مخطّط عمره مُسبقًا، ولا يستطيع أن يفعل شيئًا إزاءه، آملاً أن تتحقّق طموحاته، أحيانًا هذا الرّفيق القَدَري يغدُر الإنسان بالصّميم، يحيده بقسوة عن نهجٍ الاستمراريّة في مشوار تّألّقه المستقبلي، كما فعل بالرّاحلة دونيز نمّورة - عبّود، التي اغتالها المرَض وهي تسير بقوّة نحو مسيرة عمليّة مبشّرة بمزيدٍ من الإنجازات.

عرفتُ الرّاحلة جيّدًا، سيِّدة متواضعة بشخصها، وجهها البشوش كان يبعثُ الرّضى في النّفوس، يرسل شارات المودّة لجميع من قابلها، كما عملت في إدارة الحسابات، دقّقت في هذه المهنة الحسّاسة، لأنها تحتاج إلى أمانة ونزاهة، دقّقت في تفاصيل إدارة حياة النّاس المحتاجين، فهُم حقًّا بحاجة لأشخاص نزيهين، يأتمنون إليه، لذلك ساندتهم... وظّفت طاقات عطائها، استطاعت استيعاب أحوالهم الاجتماعيّة، دون أن تحرج خصوصيّاتهم، احتوتهم بإحساسها المرهف، تعاطفت ماديًّا ومعنويًّا معهم، ومنحتهم فرصة الخروج من بئر العوَز المدقع والمظلم.

عاشت مخلصةً لأسرتها الصغيرة، ساعيةً لإسعادها بشتّى المجالات، أمّنت لها عيشًا رغيدًا وهنيئًا، عاشت كامرأة فاضلة، عملَت لخدمة من قصَدها، اعتبرت نفسها ابنة لكل أفراد المجتمع العربي عامّة والشفاعمري خاصّة، كونها سيدة أعمال ليس فقط تجاريّة، بل سيدة الإحسان. لقد لبست أبهى حلّة إنسانيّة، لاءمتها حسب مقاييس احتياجات العصر، متابِعَةً نشاطها الخيري، دون أن تنظر في ارتفاع منسوب تحسّن أحوال المحتاجين، دون أن تنتظر أن يمنحوها وسام تقدير، فقط أرادت أن ترى هذه العائلات تحت قبّة رعايتها، راعيةً لهم، كما رعَت أسرتها، لإيمانها الرّاسخ بضرورة منح أبناء هذه العائلات المحتاجة إقليمًا معيشيًّا وتعليميًّا شاملاً، غير محدود الإمكانيات.

قامت بهذه الخطوة الخيريّة المباركة، بعيدًا عن أضواء التّباهي الشّخصي، التي اعتبرَتها وَمَضات استعلائيّة، تتنافى مع جوهر رسالتها، لاعتقادها أنها حتمًا زائلة. أرادت أن تكون مثالاً حيًّا في الوفاء لهذه الطّبقة المحتاجة، عملاً بالقول الكريم: "أعطي ممّا أعطاكَ الله". لقد اعتبرتُ دونيز سيّدة الأعمال الخيريّة السّريّة، والأم الرّوحيّة لهؤلاء الأبناء، الذين وضعتهم تحت جناح مسئوليّتها الشّخصيّة، دأبت على أن تخلق للمحتاجين أجواءً يوميّة مليئة بالسّلم النفسي، دون أن يخافوا أبدًا من خفايا الأيام.

مسيرة الحياة العامّة للرّاحلة دونيز، الحافلة بإسعاد النّاس، كانت نابعةً من إيمانها الشَّديد بالرّب، لأنها تنتمي لعائلة مؤمنة بتعاليم السَّيِّد المسيح، ودونيز عمِلَت بها، نذَرَت حياتها في سبيل نشر أسمى معاني الرسالة الإيمانيّة، عمّمتها على المجتمع. تجاوزت حواجز الآلام بقدرة الصّليب عدّة مرّات... تفاؤلها بأنها ستتغلّب على المرض، كان أيقونة خشوعٍ ضمّتها بحُنُوٍّ شديد.

ركَعَت الرّاحلة أمام هيكل الدّعوات، لكونها من رعايا الكنيسة المواظبين على الصّلوات والطُّقوس... وقَدّم لها الكهنة قرابين الخلاص، وارتفع لأجلها بخور الشّفاء العاجل في كل مكان، لكنّ الملائكة قرَعَت جرس الحياة الأبدية، ودخل جسد دونيز من بوّابة الآخرة، لكنّ طيف ذكرها سيبقى مخيِّمًا على مطارح الذّكريات الجميلة، التي لا ولن تُنسى.