[x] اغلاق
رُتبة الشّرف آنسة!!
9/6/2020 15:27

رُتبة الشّرف "آنسة"!!

بقلم: مارون سامي عزّام

ما زالت كلماتكَ تطاردني كالكلاب المسعورة، تنبح باسمك بصوتٍ عالٍ في ممرّات ضميري الضّيّقة، تحاول القفز علي، كي توقعني أرضًا، لأعترف أنّني أعجبت بك يومًا ما... تحاول جرَّ الماضي نحوي بسلاسل الآمال، لأتمسّك بها بشدّة رغمًا عنّي... عربات حروف الكلمات متوترة ومتشنّجة، ترتطم بعضها ببعض، تسير فوق طُرُقات حيرتي المتعرّجة، فتتحطّم متلعثمةً، لتغدو حادثًا لغويًا مروّعًا...

مع مرور السّنين، انتسبتُ إلى موقع الفيسبوك، الذي سمّيته "المخبِر الاجتماعي" وأنشأت صفحةً، وصرتُ أكتب منشوراتي المقتبسة، كغيري من بنات جيلي، أحيانًا أنشُر صوري بوضعيّات مختلفة، على صفحتي، لعلّ نظراتك تلمح "شكلي الجديد" الذي تغيَّر، بعد اشتباك طويل مع هجمات الظّروف على أرض الأعذار... كلما دخلتُ هذه الشّبكة، أشعر أنها عبارة عن حقل ألغام اجتماعي، فأي خطوةٍ غير محسوبة أقوم بها، سينفجّر فيَّ حدثًا أخلاقيًا، ينسف كرامتي، فتتطاير شظايا الشّائعات المغرضة بحقّي إلى أبعد مدى، وتؤذي أحبائي.

هذه الشّبكة الرّقميّة باتت اليوم مرعبة، جرّاء ما أسمعه عن وقوع ضحايا بسببها، مع أنها اصطادت ملايين الأسماك البشرية، لست الوحيدة فقط، فصنارة حب استطلاعي علّقتني بها، ولا أستطيع الاستغناء عنها... بتُّ أختار جُملاً بإمكانها أن تحكي شيئًا ما عن شخصيّتي... تُعزّز حصانة كبريائي... تُعقّم نفسيّتي من قذارات تجاربي السّابقة في الحُب! لكن لماذا سمّيتها "قذارات"؟! مع أنّي خضتها مع الآخرين بمحض إرادتي، إذًا أنا المسئولة فقط عن تلطيخها "بإصراري!" على حفر المزيد من مطبّات الرّفض، حتّى تعثّرت عزيمة هؤلاء الشّبان.

أمّا أنت أيُّها المعجَب العريق والمعلوم، علمتُ أنّكَ تقدّمتَ في الحياة، وظهرتَ أمامي بقوّة على شاشة المجتمع، رغمَ أنّك معروف بين النّاس، حاضرًا إعلاميًّا من خلال كتاباتكَ المنوّعة في الصّحُف ومواقع الإنترنت منذ زمن طويل، مع أنّني لا أحبّذ كثيرًا قراءة الصحف، لانشغالي في عملي طوال الوقت، ولا أجد متنفّسًا ترفيهيًّا لحياتي الخاصّة. 

ما زلتُ كما عرفتَني، منهمكة مع ذاتي، مشغولة مع صديقاتي، أخرجُ معهن، نجلس في أحد المقاهي، نداعب لحظاتنا في حلبة الانشراح المؤقت، كي نعود بعد ذلك إلى بيوتنا. هذه هي أجندة أيّامي، وفي الخلفيّة، منظومة السّنين تحرّك عمري بسرعة... ساحة الانتظار لا تتّسع لسباق أفكاري نحو هدف محدّد، حتّى تصل إلى نقطة بداية حياة جديدة، إنه مجرّد تسكّع فكري وتشرّد ذهني. أتأمل كثيرًا حياتي... أقارنها مع غيري، فاكتشفت أنها ضحلة بموارد التكيّف مع البيئة التي من حولي. 

إلى هذا اليوم، ما زلتُ أحمل على صدري رتبة آنسة، وأمامي درب طويل لأصل إلى رتبة عروس أو أعلى، رغم أن الأمر متعلّق بي أنا فقط، وملازمي النّصيب، هو من يُقرّر متى أحصل على رتبة أعلى، لذلك حاليًا وجدت شبكة الفيسبوك أنسب شيء، لعلّي أتعرّف على شاب يستحقّني، هذا التصرّف فيه خداع لمشاعري، بعد أن اعتادت تمامًا على الاكتفاء الشخصي.

إذا فكّر أحد الأشخاص ذات يوم الارتباط بي، لا أريده أن يسحقني اجتماعيًا، كما يفعل بعض المتزّمتين عائليًا... أي عندما يتزوّجني، سيلغي وجودي ويتحكّم بكياني المهني، يفرض عَليّ الإقامة الجبرية في المنزل، يجعلني أسيرة بلا أبسط الحقوق... بلا سيرة مهنيّة مشرّفة... بدون مسيرة اجتماعية ناجحة، حافلة بالعلاقات العامّة والشخصية، التي كوّنتها خلال عملي وحياتي الخاصّة!! 

في سنّي البالغ، لن يكون الحب حاضرًا في قراري المصيري، لأنّي وضعته في صندوق الخرافات، أقفلت عليه منذ أن بلغتُ الأربعينيّات، ولم يعُد الحب المنقذ الذي سينتشلني من أعماق يأسي. لأنّ هذا الشَّخص الذي سيتزوّجني، مَهَمّته رعايتي والمحافظة علي، وأن يُدافع عن بيتي وكرامتي، أنا من جهتي، لن أهمل واجباتي المنزليّة، سأراعي طلباته سألبّي متطلّباته، ولكن ضمن ضوابط معيّنة نتّفق عليها مسبقًا، مع أنّك أيها المعجب التّاريخي، الوحيد القادر على تفهّمي، ورغم كل ذلك، فلن تشعُر أبدًا باندفاعي الوهمي نحوكَ، وعندما ألمحكَ أتغاضاك، أنبّه... أحذّر حرّكاتي بأنّك لم تعُد مُتاحًا لي. 

لا أشعر بنقص في حياتي... لكنّي أشعُر بالملل والوحدة عندما أعود إلى البيت، عندما أدخل غرفتي، أشعر كأنّي داخلة إلى نادي الماضي المليء بأصوات ذكريات الطّفولة، التي تناديني لألعب معها بالدّمى، مليء بصيحات النّدم على حبّات العمر والسّنين التي تركتها تتدحرج، تضيع منّي خلف زوايا الخوف وخلف بوّابات الأيام المغلقة، التي أتاحت لي فرص زواج عديدة واستحقت منّي اهتمامًا أكثر، لكنّي أقول بكل ألم، أنّني آثرتُ الإذعان لظّروف الزّمن التي خيّرتني ما بين رعاية أهلي، وبين الزّواج الإجباري لإرضاء رغبتهم، إلاّ أنّي فضّلت رعايتهم، فارضةً على نفسي سجن العزوبية.  

يومًا ما سأنال رتبة "عانس" من الدّرجة الممتازة!! أحصل عليها عندما يصل جسدي إلى سن التقاعد النّفسي، حينها تكون أنوثتي قد غدت قطعة جليديّة، فاقدة للملذّات التي حُرمتُ منها بإرادتي الحديديّة... يا للسّخرية! لقد تحوّلت إلى امرأة أنفر من شهواتي... أشتهي اليوم أن تكون أنوثتي عطري اليومي لأتمتّع بها، لو استطعتُ التغلّب على أفكاري المتخلّفة عن العلاقة الحميمة بين الرّجل والمرأة، لكان حالي أفضل.

إنّي آنسة، نعَم... رتبة غير مشرّفة، فأنا محاصَرَة أيها المعلوم بضمائر مَيْتَة، تفكيرها موحش لا يرحم أحدًا، تنتظر منّي زلّة أخلاقيّة، لتذمّني أكثر ممّا تفعل الآن، مع أنّني أحاول مرارًا أن استمرّ قُدُمًا، دخلتُ أفق التأمل... أحاول أن أكون سيّدة مصيري وبنفس الوقت خادمة أمينة للواقع الذي أعيشه في ظل حاضري، ولكنّي أشعر بأنني امرأة عاجزة، قاصرة، وبأنّه لا مفَر من فرض عقوبة العنوسة الأزليّة على نفسي!!...