[x] اغلاق
الكتاب الأروع
6/8/2020 9:22

   الكتاب الأروع

زهير دعيم

كثيرًا ما "تفاخرتُ" بأنّني قرأت في حياتي آلاف الكتب ، الأدبيّة منها والفلسفيّة والتاريخيّة .

  قرأت شكسبير  وصفّقت له ، وقرأتُ دانتي وهلّلت ، وقرأت ديستوديفسكي وتولستوي وهوجو والمعرّي وجبران والعشرات وقلت مرحى.

 لقد غذّيت فكري بالدّسم ، ولوّنته بالأفكار ، وسبحت معهم في دنيا الفلسفة والرأي والحكمة .

 أشبعت الفكر فعلا ، ولكنّ الرّوح ظلّت عطشى ، ظمأى ، هائمة ، يابسة وجافّة ، إلى أن وقعت على الكتاب المُقدٍّس .

  أتذكر قولًا لجبران عن حياة الإنسان يقول فيه بما معناه : " إنّ الإنسان يكون في شبابه كما الحصاة التي تُطرح في بحر الحياة ، أو في نبع ماء، فتُحدث ضجّة وتُكوّن حولها دوائر ، ورويدًا رويدًا تهدأ وتستكين هذه الحصاة في القاع كما النفس المطمئنة.

  نعم استقرّت نفسي واطمأنت عندما عرفت الكتاب المُقدّس عن قُرب ،  وقرأته بإنعام وتعرّفت على ربّه وصاحبه ...عرفت يسوع وقرأت سيرة حياته فوقفت دَهِشًا ، أين كنتُ من هذا الكاتب المُبدع ، ومن هذا الإله المُحبّ والشّاب الرائع ؟

   صفّقت لدانتي وهلّلت لتولستوي ، ولكنني لا أجد  في قاموس اللغة كلمة مديح واحدة توفي الشّاب الجليلي ابن الانسان  حقّه ....إنّها مثلي عاجزة.

   ما هذا الكتاب ؟ وما هذه الذُّروة المُتمثّلة بموعظة الجبل ، وما هذه النهاية المستنيرة بالفداء والحياة والرؤيا؟!!

     اخبروني مرةً أنّ المسيح ضعيف ، يتنازل عن حقّه ،  فكدْتُ اصدِّق ، إلى أن رأيته وماشيته واختبرته ،  فثبت لي بالدليل القاطع عكس ذلك تمامًا ، فإذا كان "من ضربك على خدِّك الأيمن ، فأدِر له الأيسر أيضًا " ضعفًا ، فالقوّة كيف تكون؟ 

 وإذا كانت ترنيمة السماء " أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم ، وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم ويسيئون إليكم "ضعفًا وخنوعًا ، فالشّهامة ما تكون ، والمروءة كيف تكون ؟!!

      

       إنّي أتحدّى 

 

أتحدّى أن تجيئوني بمن مشى على الأرض ، أو طار وحلّق في السّماء ، أن تكون سيرة حياته عطرةً ، نديّةً  ، خيِّرةً ، عبقة ، ريّا ، حيّية كما يسوع .

 

  ما هذه السيرة ؟!!

    ما هذا النهج الحياتيّ الذي لم يعلق في جانبه وأذياله ذرة غبار واحدة ؟ 

   " مَنْ منكم يُبكّتني على خطيّة " صرخ يسوع هامسًا .

  ما هذه المحبّة المُتدفقة من جروحه وكلامه وأعماله وآياته ؟!!

  ما هذه النعمة الخارجة من فمه ؟ 

 

      إنّي أتحدّى 

 

رغم أنّ قلمي يعجز عن اللحاق بخصاله ، ورسم كيانه ، وتصوير فيض محبته .

  لقد تغنّى جبران بالمصلوب ، وخطّ فيه أجمل قصائده وإبداعاته ، وخشع آينشتين في محرابه فوجد السّمو والرِّفعة في الركوع ، رغم تحليقه في مدارات العالم وأفلاك البحث ، ألم يخلق الأرض والسّماء بكلمة ؟!

 

   عند أقدام يسوع يصغر كلّ عظيم !

 

تحت أفياء يسوع يستظلّ كلّ إنسان .

في سِتر يسوع يحتمي كل خائف ومذعور .

على صليب يسوع تُعلَّق كلّ الخطايا ، قديمها وجديدها وما لم تحبل به الشهوة بعد.

 على أكتاف يسوع يُحمل كلّ مظلوم .

  وفي "عرس"  يسوع سنكون هناك من أهل البيت ، نتمتّع بكأس الخلاص .

 

  قرأت الكثير ولم أندم .

   وكنت قد أندم لو لم أسبح في ثنايا الكتاب العتيق ، كتاب الحياة ، وكتاب الكتب ، كنتُ سأندم ساعة لا ينفع الندم .

  خذوا يا أحبائي مزاميره وأمثاله وجبة فطور ، تُنقّي النفس والضمير والوجدان .

 خذوا أنبياءه وجبة غَداء تُشبع النفس .

  وخذوا إنجيله في كلّ وقت ، فيفرح القلب ، وتطمئن النفس وتنتشي، ويطير بك إلى دُنيا الرّوح بعيدًا  بعيدًا فوق الجبال .