[x] اغلاق
المجد للشِعر والشُعراء
3/9/2020 6:38
المجد للشِعر والشُعراء
 
محمد جمال صبح
 
في الآونة الأخيرة، تتردد على مسمعي جمل مفادها أن زمن الشعر ولى، وأغلب من يلقون هذه العبارة شعراء، ومنهم من يتخذها ذريعة لتوقفه عن الكتابة، وقد تبدو المنهجية تلك مقنعة، خصوصا عندما تتمظهر اللاجدوى بأوضح صورها، أي عندما تخلو المقاعد في الأمسيات الشعرية، كما يحدث اليوم، يبدأ المرء السويُّ، بالاقتراب من قرار التوقف عن الكتابة.
ولكنني في كل مرة أتفحص فيها القرار، أخلص إلى ثلاثة أسئلة: السؤال الأول هو هل الكتابة مادية إلى هذا الحد، وهل المعادلة يجب أن تكون بذلك الوضوح التجاري البحت، إذا لم يحقق الشعر مكاسب وجدوى، نتركه وننصرف إلى مشاريع أخرى؟
كيف لمن اختار أغرب الطرق تعبيرا، وأقلها وضوحا للقول، وهو الشعر، أن يضعه في ميزان واضح كهذا؟!
والسؤال الثاني فهو إذا كان الشعر ذاتيا، فما الحاجة الماسة لقاعات ممتلئة، أليست القصيدة تذبل في التصفيق، وتنتشي في الوحدة، اسأل نفسك: ألن تقرأ الشعر إلا في قاعة تعج بالحضور؟
 
عن نفسي أقول سأكتب الشعر وأقرأه، حتى لو كان المسرح خاليا تماما، تقديسا للحس الذي يسري كثعبان جواي، ويدفعني للكتابة، وتطهيرا للذات من دخان السيارات.
وهذا ما كان يقودني دوما إلى السؤال الثالث فالعمل دون جدوى جنون، والإنسان السوي يجب أن يكف عن ذلك.. ولكن أليس الشعر جنونا؟ ومتى كان الشاعر سويا؟
 
من زاوية نظري فإن مجد الشعر في بقائه في الهامش، إنه فن الهوامش، فن التفاصيل الخبيئة، التي لا تقع على صورة صريحة، ولا تقبل أن ترادف تفسيرا آخر، غير أنها تنسجم مع رؤى وتفاسير متعددة.
الشعراء الذين يبحثون عن مجد سواه، عليهم أن يبحثوا عن مزارع أخرى لنباتهم، يمكنهم فعل ذلك إلى جانب الشعر، فلا الشعر يفسد مجدهم، ولا مجدهم يفسد ما كان يمكن أن يكون شعرا لولا ركضهم وراء ألقاب وتصفيق.
أسهل الأشياء أن تجعل الناس يصفقون، وأصعبها أن تتركهم مصدومين، وهذه وظيفة الشعر، أن يدخل امرؤ لأمسية وهو يعرف نفسه جيدا، ليخرج منها بسؤال حقيقي: من أنا؟
أرأيتم؟ ها نحن نعود إذن إلى الهامش مجددا!
والشِعر هو مادة الجمال، كل شيء جميل مردُّ جماله للشِعر، وكل شيء قبيح مردُّ قبحه لغياب الشِعر.
ولقد استطاع هذا الفن عبر العصور أن يطور أدواته، ليتمكن من خوض تجارب جديدة، على قلتها، شكلت أملا ثقافيا بالحفاظ على هذا الفن حيا، ولكن لماذا علينا دائما أن نقدم الأمصال والمطاعيم لهذا الفن ليتمكن من العيش على عكس غيره؟
ربما لأنه مقارنة بغيره، يحب أن يحافظ على هلاميته، وعدم ترسيم حدوده، مخافة الوقوع بأرض فن آخر.
سنكتب، لا لنصنع ضجيجا في الميادين، إنما لننقل الأصوات من داخلنا، قبل أن تتداخل وتصبح ضجيجا.

محمد جمال صبح